سهوب بغدادي
كيف تشرب قهوتك؟ سكر وسط أم سكر زيادة؟ سؤال بديهي في حال إعدادك القهوة لشخص ما، إلا أن مقدار الحلاوة المفضلة للإنسان ليس حصرًا على هذا الأمر، بل يتداخل في جميع مواطن حياتنا! كيف؟ كأن يجيبك الشخص عن تفضيله، على سبيل المثال الحلا الوسط المعتدل الذي يعد الأصعب من وجهة نظري لتحقيقه والتوصل إليه، نظرًا لأن الوسطية صعبة وتتطلب مجهودًا وتقصيًا وحزمًا وكبح جماح الرغبة لسكب المزيد من السكر في الإناء، أو العكس التقليل في الكمية، فإن قلة الشيء بوضوح وزيادته بإفراط سواء، والنتيجة سلبية، أما الحلاوة المعتدلة قد تكون التركيبة الأمثل لمن يفضلها والحل الأمثل لمن لديه تفضيلات أخرى كالسادة وشديدة الحلاوة، بأن يكون التوسط أقرب إلى النقيضين، السر يكمن في الوزنية المعتدلة، أليست حياتنا عبارة عن وزنية؟ خذها قاعدة في مجال العلاقات، فالقرب الشديد خانق والبعد السحيق جفاء، وإن كان القرب من باب المحبة فإن كان من تصنع القهوة لأجله يفضل الحلا المتوسط، وقررت أن تضع له المزيد من السكر في فنجانه لتكرمه، فلن يترجم ما فعلت بالطريقة الصحيحة ولن يشعر بالمزيد من الامتنان تجاهك على ماقمت به، بل سيستنكر الطعم أو الأسوأ سيترك الفنجان أويقوم بسكبه، فمن يتقن فن المسافات سيرتاح، ومن يعرف فن العطاء سينعم في حياته، دائمًا نسمع عن خيبات الأمل والشعور بالخذلان، تلك الخيبات التي تنشأ من الإفراط في المشاعر «العشم» أو المحبة أو التقدير أو الطاعة، وغيرها الكثير، إذ نستغرب من ذلك الشخص الهادئ الساكن الذي انفجر في وجه أحدهم يومًا ما وخالف جميع الاعتبارات والتوقعات، فبالطبع بالغ في سكوته وطال أمد تحمله، وقِس على ذلك من الأمور والمواقف والتعاملات التي تعترضنا في كل ساعة وحين، وتبقى الوزنية الصحيحة «وزنية المعلم» الخبير فن لا يتقنه الجميع.