عطية محمد عطية عقيلان
دومًا يبحث الإنسان عن مبررات وأعذار لما يقوم به من أفعال وأقوال ومواقف، وهي من الحيل النفسية التي يستخدمها منذ الأزل، وقد لحقها التطور والتقدم، ولكن نتيجتها واحدة، وهي البحث عن عذر يصرف عن المشكلة الرئيسية دون اعتراف بالخطأ والرجوع عنه، فكما تقول الحكاية القديمة، عندما نسي المضيف أن يوصي المطبخ على الغداء لضيوفه، تعذر بأن «الطبابيخ تذابحوا»، ووقع بينهم خلاف ورفعوا السكاكين على بعضهم، ولم يقوموا بطبخ الغداء، ويتعذر منهم ويتسمح على هذا الموقف المحرج، ويتحول الاهتمام إلى معرفة ما حدث وكيف انتهت قصة الخلاف في المطبخ. وهذا يأخذنا إلى ما نشهده على وسائل الإعلام التقليدية ومنصات التواصل الاجتماعي، وخاصة مع دخول برامج «البرودكاست» وجذبها بقوة للمتابعين، وكأننا نتذكر قصة هؤلاء الطبابيخ، ولكن باستخدام أدوات ومؤثرات متطورة، للبحث عن الأعذار والمبررات ودعمها بأدلة وبراهين مقنعة للمتلقي، وإن كانت من خارج السياق وليس لها علاقة، وقد يكون سهلاً اكتشاف زيف أو عدم دقته، ولكن تقنع المتابعين إلى تصديقها، الصادم أن المؤيدين ليسوا مستفيدين، بل أحيانًا يكونوا متضررين من هذا الطرح، والفائدة الكبرى لمقدمي البرامج والمنتجين لهذه النوعية منها، والتي تهدف إلى إقناعنا واتخاذ مواقف وبحقائق واهمة أحيانًا، وهناك مقولة للأديب أنيس منصور «إذا كنت تصدقًا كل ما تقرأ.. لا تقرأ»، وهي تختصر الكثير مما نتلقاها مع ثورة التواصل وانتشار برامجها، فأصبح يصلنا مئات القصص والحكايات، وهذا يستوجب منا التنبه، بعدم التسليم والتصديق المطلق، وستجد فيها من يستخدم تبرير نفسه «مذابح الطبابيخ»، ولكن تطورت أدواته وحيله البصرية ولديه مؤثرات وطرق خدع جديدة، ورغم وعي الناس وقدرتهم على التمييز والفهم والتحليل، إلا أن هناك من يقع ضحيتهم ويصدق ما يصله، ومن هذه الأمثلة ضحايا الجماهير الرياضية، التي تنساق وراء تحليلات ومبررات لبرامج أو أشخاص، رغم ثبات تلونهم وتغيرهم حسب مصلحتهم الشخصية، ولو كان استخدام الإثارة ونشر التعصب، المهم أن تستمر برامجهم ورواتبهم، يليهم ضحايا التحليل السياسي والعسكري، وما يمارس فيها من شعبوية وتحليل حسب الهوى والميل، وكذلك التحليل الاقتصادي، وبرامج ومحللين، لإرشادك كيف تتحول إلى الغنى والثراء، وجلهم موظفون، ويذكرونا بالمثل «باب النجار مخلع». لذا عزيزي القارئ، حكم عقلك ودقِّق في كل ما يصلك ولا تنجرف لمن يريأن ينشهر أو يحقق مصالحه، وتساعده بتداول وإعادة نشر ما يقول.
خاتمة: الاختلاف شيء طبيعي بين البشر، ولكن الخلاف هو ما يدمر العلاقات، وهي بسبب استخدام أعذار ومبررات واهية، يحولها إلى استغفال، خاصة إذا كانت الأفعال عكس الأقوال، لذا يقول الفيلسوف الصيني كونفشيوس «إن الرجل العاقل... يحكم على الناس، بأفعالهم لا بأقوالهم».