د. أحمد محمد القزعل
حقّ الحياة هو الحقّ الأوّل للإنسان، وهو الأساس الذي تُبنَى عليه باقي الحقوق، وعند وجوده تطبق بقية الحقوق كحقّ الحريّة والمساواة والتديّن...، لكنّ هذا الحقّ اعتراه الخلل والخطر في أحقاب التاريخ، فكانت بعض الشرائع تجيز قتل الأرقّاء ويتولّى - أحياناً- رئيس العائلة أو القبيلة السلطان حقّ الحياة والموت على الأفراد، وكان الأب في الجاهلية يحق له وأد البنات، ولا يزال هذا الخطر الداهم يهدد الإنسان حتّى في الوقت الحاضر، وكثيراً ما يقتل الأبرياء جوراً وظلماً وعدواناً لأوهى الحجج التي لا يقرها العقل والشرع.
فحقّ الحياة هبة من الله تعالى، وهذا ما أجمعت عليه الشرائع والأديان، والمواثيق الدولية المعاصرة، ولما كان حقّ الحياة مقرراً لكل فرد، لازمه حق الكرامة الإنسانية، فهو فرع منه، فكرامة الإنسان هي مصدر الحقوق كلها، فهي دليل إنسانيّة الإنسان التي تميّزه عن سائر المخلوقات، ونصّ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على حقّ الفرد في الحياة وسلامة شخصه، فجاء في المادّة الثالثة منه ما نصّه: «لكلّ فرد الحقّ في الحياة، والحرية، وسلامة شخصّه».
ومنع الإعلان العالمي التدخل التعسفي في حياة الشخص، أو أسرته، أو مسكنه...، وأعطاه على ذلك حماية القانون، فجاء في المادّة الثانية عشرة منه ما نصّه: «لا يُعرّض أحد للتدخّل التعسفي في حياته الخاصة، أو أسرته، أو مسكنه، أو مراسلاته، أو لحملات على شرفه، وسمعته، ولكلّ شخص الحقّ في حماية القانون من مثل هذا التدخل، أو تلك الحملات».
وأكّد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أهمية الكرامة الإنسانيّة، فجاء في المادة الأولى منه ما نصّه: «يولد جميع الناس أحراراً، متساوين في الكرامة والحقوق، وقد وُهبوا عقلاً وضميراً، وعليهم أن يعامل بعضهم بعضاً بروح الإخاء».
ومنع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ممارسة التعذيب بحق الإنسان، فنصّت المادّة الخامسة منه على الآتي: «لا يُعرّض أيّ إنسان للتعذيب، ولا للعقوبات، أو المعاملات القاسية، أو الوحشية، أو الحاطّة بالكرامة».
وتتعدّد مظاهر وأشكال حفظ الإسلام لحق الحياة الإنسانية، فلا يجوز الاعتداء على النفس البشرية مطلقاً إلّا إن كان هناك مبرر شرعي كما لا يجوز تنفيذ حكم القتل لمستحق له أو الاعتداء على أحد من الناس إلا بطريق الحاكم، الذي وُجد لتطبيق أحكام الله في هذه الأرض، ومن مظاهر حفظ الإسلام لحق الحياة أن جعل جميع الوسائل المفضية للقتل ممنوعة، كحمل السلاح وتوجيهه تجاه الآخرين، أوالاعتداء على النفس الإنسانية بالانتحار، وقد وضع الإسلام العقوبات الشرعية والزواجر العملية لأجل منع ذلك.
فالإنسانية قيمة لها احترامها في التشريع الإسلامي، وليس ذلك خاصاً بحالة الإنسان أثناء الحياة فحسب، بل يمتد ذلك الحق أثناء الموت وبعده؛ إذ من حق الإنسان إذا توفي أن يُحترم جثمانه؛ لقول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إذا كفّن أحدكم أخاه، فليحسن كفنه إن استطاع» (مسند أحمد - رقم: 13999).
وبالنتيجة: فالحياة منحة من الله عزّ وجلّ، وهذا ما جاءت به الأديان، وأكدته المواثيق والمعاهدات الدوليّة المتعلقة بحقوق الإنسان، ويجب على دول العالم كافّة التي يعيش بها الإنسان حماية هذا الحقّ من كل اعتدّاء، مع وجوب توفير وتأمين كافّة الوسائل اللازمة لرعاية هذا الحقّ من غذاء ودواء وأمن ومساواة وغير ذلك.