ليلى أمين السيف
عندما كنا صغارًا كانت مدارسنا أنا وإخوتي تبعد عن بيتنا مسافة لأبأس بها، فكنا نخرج -ما شاء الله- حوالي الستة إخوة مشياً على أقدامنا، وأتذكر أننا ذات مرة وقفنا عند الإشارة ولم نستطع العبور فقدمني أخي الأكبر قائلاً:
«اعبري أنت أولاً ثم نلحقك، فالسائقون سيقفون لك لأنك إمرأة»..
ونصحني ضاحكًا أن نخرج مبكرين المرات القادمة قليلاً كي أوصل أنا جميع ذكور العائلة فالإناث لا يخشى عليهن..
اليوم كلمني -عافاه الله وشافاه- وتجاذبنا أطراف الحديث وتذكرنا ذاك الموقف..
وسألته عن قريبة لنا مطلقة من ذا الذي يساعدها وهي لديها طفلة ولا تعمل. فقال هناك بضع صديقات يساعدنها شهرياً بمبلغ يفي تقريباً ببعض متطلبات الحياة.
ثم أردف قائلاً:
«أنتن النساء فيكن حاجة حلوة، ما تنسوا العشرة»، تتفقدون بعضكم بعضاً حتى وإن تنأت بكم السبل، فإنكن تعرفن كل شاردة وواردة عن بعضكن بعضاً وبالتالي تعلمن ما ينقص صديقتكن أو جارتكن، فتقمن بمساعدتها بأية وسيلة وإن عجزتن فإنكن تبحثن عن طرق لمساعدتها «فالتواصل موجود حضورًا واتصالاً، عاطفياً ومادياًَ..
صداقات الرجال لا تظهر إلا وقت الشدائد وهؤلاء نادرون وكثير من الرجال يدورون جلسات الوناسة أو العمل وأحياناً تغلبها المصالح وعادة الرجال لا يشكون ظروفهم إلا فيما ندر عكس النساء..
أمور أخرى أيضاً تقوم بها النساء ولا يستطيع الرجال القيام بها وأذكر في هذا زميلاتي اللواتي كن يلومنني أنا وصديقة لي سودانية بحجة أننا جعلنا أزواجنا يتكلن علينا، وهذا غير صحيح أبدًا..فأزواجنا يقومون بأدوراهم على خير ما يرام ولكن هناك مواقف تحتاج إلى النساء أن يقمن بها لأن هناك معايير للرجال لا يستطيعون تجاوزها..
مثلاً أنا أستطيع أن أكلم صديقاتي أن أحتجت مساعدة من أي نوع وأكرر الطلب وأسأل فلاناً وعلاناً ولا أكل أو أمل ولكن الرجال تأبى عليهم كرامتهم أن يسأالوا الناس إلحافاً..
أتذكر يوم أن مرضت أمل ابنتي بمرض السكر وذهبت بها لمستشفى الشميسي وقلت لزوجي اختفي وعد للمنزل ولا تقلق..
وقتها موظف المستشفى رفض علاجها لأن المفترض أن أباها لديه تأمين ولكن كيف أشرح له أن كفيل زوجي يتلاعب بنا ولم يعمل تأمين لنا بل إن التأمين وإن عمله فهو كما يقولون تأمين «أبو كلب» لا يمنحك حتى حبة بندول..
قلت للموظف زوجي مسافر ولا يوجد تأمين .. رجوته بشدة وبكيت..
هل زوجي سيفعل ذلك.. ستأبى عليه كرامته ولن أرتضي له أن يستجدي أحدًا ولكن العالم كله يقف مع المرأة ويساعدها.
يقول زوجي إنه عندما كان معتقلاً في تعز أن أمه كانت تأتي لزيارته دورياً من عدن لا تخشى طريقًا أو عسكرياً أو مسؤولاً بينما كان صعباً على والده زيارته خشية الاعتقال بل إن أباه أنكر أن له ابنا في تعز.
قضيت أشهر أراسل مسؤولي المنحة الدراسية من أجل ابني فيصل وعند المقابلة الأولى وحين عرّف ابني بنفسه قال له المسؤول:
«أنت الذي كانت امك تتصل بنا كل يوم»
وعند تخرج ولدي قال له المسؤول: «سلم على أمك»..
صديقاتي منذ سنين لم أنساهن ولم ينسوني وما زلن على تواصل معي بشكل متواصل، هذه تطبطب وتلك تتفقد أمي وأخرى لم تترك أبنائي وحتى إخوتي بل أن منهن من ساعدتني في إنشاء صدقة جارية لأبي..
فبارك الله لهن ولأزواجهن وأبنائهن ونعم النساء هن..
نعم النساء هن أمهاتنا وأخواتنا، بناتنا وجاراتنا وصديقاتنا، هن الحنان هن الخير. والجنة إن شاء الله تحت أقدامهن.