فضل بن سعد البوعينين
لم تتوقف وكالة «بلومبيرغ» يوماً، عن نشر الأخبار المغلوطة عن المملكة، برغم ما تجده من تسهيلات إعلامية استثنائية تمكنها من أسبقية الحصول على الأخبار من مصادرها، والتأكد منها قبل النشر.
أخبار وتقارير إعلامية موجهة يفترض ألا تصدر عن وكالة عالمية تلتزم معايير النشر في أخبارها وتقارير محرريها. يمكن أن يصنف بعض ما تنشره «بلومبيرغ» من أخبار غير دقيقة عن المملكة، ضمن الحملات العدائية الموجهة، والتي لم تتوقف منذ إطلاق رؤية 2030. حملات إعلامية مستمرة بغية التأثير السلبي على خطط التحوّل، والتشكيك بالمشروعات الكبرى، ومحاولة مستميتة لإقصاء المستثمرين عن السوق السعودية.
وكالة «بلومبيرغ» قالت مؤخراً بـ«أن الحكومة السعودية طلبت من الكويت تمويلاً يزيد عن 16 مليار دولار لمشاريع من بينها «نيوم». وألحقته بتقرير إخباري خلصت فيه إلى أن «هناك إشارات تدل على أن تحقيق أهداف جزئية لرؤية 2030 بعيدة المنال في الوقت الحالي... دفعت الحكومة إلى إعادة حساباتها في المشاريع العملاقة». مجموعة من الاستنتاجات والتحليلات الخاطئة بُنيت على خبر غير صحيح، كان من الممكن التأكد من صحته بسهولة، أو مراجعته وتدقيقه من قبل مسؤولي التحرير الذين يفترض فيهم المهنية والقدرة على تمحيص الأخبار والتأكد من صحتها عطفاً على مخزونهم المعرفي وخبراتهم المهنية. خلطت بلومبيرغ بين تسويق الفرص الاستثمارية وطلب التمويل، وبنت قصتها الإخبارية على صورة لم تتبين خلفياتها التي يمكن اكتشافها بسهولة.
تسويق الفرص الاستثمارية، وتوفير التمويل اللازم للمشروعات من الأمور الشائعة في عالم الاستثمار والتنمية الاقتصادية، وهو ما تقوم به المملكة بشكل متوازن وبما يعزز قدرتها على تحقيق أهدافها الإستراتيجية، ولا ضير في ذلك البتة، إلا أن من المعيب اختلاق القصص الإخبارية للتأثير السلبي على مشروعاتها والتشكيك بقدرتها على مواصلة خطط التحوّل والبناء.
وضعت المملكة منذ إطلاق رؤية 2030 جذب الاستثمارات الأجنبية هدفاً رئيساً لها، وبالتالي فهي تسعى لتسويق الفرص الاستثمارية على الصناديق السيادية العالمية والمستثمرين. ففي زيارته لروسيا؛ العام 2017 أكَّد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز؛ أن المملكة تتطلع إلى مشاركة الشركات الروسية الرائدة بفاعلية للدخول في الفرص الاقتصادية التي ستوفرها رؤية المملكة 2030 وتعزيز الشراكة الاقتصادية. وهي رسالة عامة للدول الصناعية الكبرى ذات الملاءة المالية والخبرات الصناعية والتقنية.
فبرامج التحوّل والإصلاحات المالية والاقتصادية تعتمد في مدخلاتها على الاستثمار كمحرك رئيس للاقتصاد، وهو ما يتطلب عقد شراكات عالمية واستثمارات ضخمة قادرة على تحويل الفرص الاستثمارية المتنوعة إلى مشروعات على أرض الواقع.
صندوق الاستثمارات العامة، ذراع الدولة الاستثماري، بات ناشطاً في عقد الشراكات العالمية وجذب التدفقات الاستثمارية، وتحفيز الاستثمار الأجنبي ليكون جزءاً رئيساً من عمليات التنمية الاقتصادية، لذا فتركيز المملكة هو على جذب الاستثمارات الأجنبية لتنفيذ الكم الأكبر من المشروعات، ونقل التقنية، وتوطينها، وتحقيق هدف التنوع الاقتصادي، وقد نجحت حتى الآن في تحقيق أهدافها من خلال شراكات عالمية غربية وآسيوية.
من الطبيعي أن تحتاج مشروعات البنى التحتية، والمشروعات الكبرى إلى تمويل، وهو أمر متعارف عليه دولياً، غير أن طلب التمويل يتم الترتيب له عن طريق وزارة المالية، ومن خلال الأسواق المالية، وهو ما تمارسه المملكة في العلن، إما عن طريق الاقتراض الدولي، أو إصدار السندات الحكومية. فطلب التمويل ليس عيباً متى أحسن استثماره لتحقيق منافع تنموية وعوائد أكبر من خدمة الدين المتراكمة. وجميع دول العالم تعتمد في اقتصاداتها على الاقتراض من الأسواق المحلية والدولية، بل إن الدين العام في الولايات المتحدة الأميركية، التي يعتبر اقتصادها الأكبر عالمياً، تجاوزت نسبته الـ 125% من ناتجها المحلي، في وقت لا يتجاوز فيه الدين العام في السعودية الـ25 %.
عودا على بدء، هل طلبت السعودية قرضا من الكويت، قطعا لا، فالأمر لا يتعدى تسويق الفرص الإستثمارية المتاحة في السعودية على الأشقاء في الكويت أسوة بالدول الأخرى، وتعزيزاً للعلاقات، والشراكات الاقتصادية النوعية بين البلدين. أما ما يتعلق بإدعاء بلومبيرغ بـ«إعادة الحكومة حساباتها في المشاريع العملاقة» فذاك أمر بعيد المنال، والحقيقة أن مشروع نيوم الكبرى يتضمن مشروعات متعددة ومختلفة في مساحة شاسعة تعادل مساحة دول مجتمعة، وجدولتها أمر طبيعي، بل ومعلن منذ البداية، وبشكل رسمي.
نيوم هي جوهرة المشروعات الكبرى السعودية غير أن هناك جواهر أخرى في مناطق مختلفة من المملكة ستشكل حين إنجازها قاعدة التنوع الاقتصادي، ونواة بناء المستقبل لأجيال تؤمن بالتنمية والبناء لا الحروب والتخلف.