د. تنيضب الفايدي
النقيع وادي فحل من أودية الحجاز، يقع جنوب المدينة المنورة ويعدّ من أكبر روافد وادي العقيق، يبدأ وادي النقيع من جبل قدس حتى يتصل بصدر وادي العقيق قبل دخوله المدينة، فالنقيع هو بداية العقيق على قول أكثر المؤرخين، فما النقيع ومعالمه؟
معنى النقيع:
النقيع لغةً: مستنقع الماء، والنقيعُ: القاعُ، وهو اسم موضعٍ قرب المدينة على عشرين فرسخاً منه. وقال السمهودي في تعيينه (وفاء الوفا 2/ 526): وهو صدر وادي العقيق وهو أخصب موضع هناك. وقيل: صدرُ العقيق ما دفع في النقيع من قُدس، وما قَبَلَ من الحرة، وما دبر من النّقيع، وثنيّة عمق تصبُّ في الفرع، وما قبل الحرة التي تدفع في العقيق يقال له: بطاويح، كلها أودية في المدينة تصبُّ في العقيق.
تاريخ النقيع:
دخل النقيع في التاريخ، منذ أن أحماه النبي صلى الله عليه وسلم لخيل المسلمين، روى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم حمى النقيع للخيل وحمى الرّبذة للصدقة. وقال نصر: النقيعُ: موضعٌ قرب المدينة كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم حماه لخيله، وله هناك مسجد يقال له: مقمِّل، وبين النقيع والمدينة خمسون فرسخاً.
ونقل ابن حجر في الإصابة (5359) عن عبيد بن مراوح المزني عن أبيه قال: «نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم النقيع، والناس يخافون الغارة بعضهم على بعض، فنادى مناديه: الله أكبر، فقال: لقد كبرت كبيراً، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، فارتعدتُ وقلتُ: لهؤلاء نبأ، فقال: أشهد أن محمداً رسول الله، فقلت: بُعث نبي، فقال: حيّ على الصلاة، فقلت: نزلت فريضة. واعتمدت رسول الله فسألته عن الإسلام، فأسلمتُ، وعلمني الوضوء والصلاة، وصلّى فصليت معه، وحمى النقيع واستعملني عليه. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الصبح في المسجد بأعلى عسيب، وهو جبل بأعلى قاع النقيع، ثم أمر رجلاً صيّتاً، فصاح بأعلى صوته، فكان مدى صوته بريداً، وهو أربعة فراسخ، فجعل ذلك حمى طوله بريد، وعرضه الميل، وفي بعضه أقل. الأحكام السلطانية للماوردي (ص 185).
والنقيع كان مرتعاً خصباً كثير العشب ومرعى مشبعاً، يمتاز عن غيره بخصوبة أرضه ووفرة مياهه وطيب مرعاه، ولذا حماه النبي صلى الله عليه وسلم ثم عمر رضي الله عنه لترعى الخيول والإبل والمواشي التي تأتي من الزكاة، روى الإمام مالك في الموطأ (1/ 308): أن عمر رضي الله عنه كان يحمل في العام الواحد على أربعين ألف بعير.
قال القاضي عياض في مشارق الأنوار (2/ 130): «النقيع الذي حماه النبي صلى الله عليه وسلم ثم عمر رضي الله عنه هو الذي يُضاف إليه في الحديث»: «غرز النقيع». وقد جاء كلمة «النقيع» في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم فعن أبي حميد الساعدي أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم بقدح من لبن من النقيع ليس بمُخمّر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: « لولا خمّرته ولو بعودٍ تعرضه» رواه مسلم.
وروى عبيد بن مراوح أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل بالنقيع على مُقمّل، فصلى وصليت معه، وقال: «حِمَى النقيع نِعْمَ مرتعُ الأفراس يُحمى لهنّ، ويُجاهد بهن في سبيل الله «. وعن الصَّعْب بن جثَّامة أن النبي صلى الله عليه وسلم حمى النقيع قال: لا حِمى إلا لله. رواه أبو داود برقم (3084). وفي رواية لابن شبة ( تاريخ المدينة المنورة 1/ 155) أن النبي صلى الله عليه وسلم حمى النقيع للخيل وحمى الربذة للصدقة. وعن ابن عمر قال: حمَى النبي صلى الله عليه وسلم الربذة لإبل الصدقة.
النقيع والحمى :
كان الحمى موجوداً قبل الإسلام وهذه الأحماء عادة كانت لقبيلة معينة، قال الشافعي في الأم: كان الرجل العزيز من العرب إذا انتجع بلداً مخصباً أوفى بكلبٍ على جبل إن كان أو نشز إن لم يكن جبل، ثم استعواه ووقف له من يسمع منتهى صوته، فحيث بلغ صوته حماه من كل ناحية، ويرعى مع العامة فيما سواه، ويمنع هذا من غيره لضعفاء سائمته. ولكن لما جاء الإسلام ألغى تلك الأحماء إلا ما يحمى للمصالح العامة مثل ما يحمى لخيل المسلمين وركابهم المخصصة للجهاد في سبيل الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا حمى إلا لله ولرسوله). رواه البخاري. أي: لخيل المسلمين وإبلهم المعدة للجهاد في سبيل الله. وقد حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم حول المدينة التي يسمى (حمى الشجرة) وحمى النقيع. وهناك حِمى كثيرة كانت في الإسلام غير النقيع مثل حِمى ضرية وحمى الربذة وحِمى فيد وحمى النِّير وحمى ذي الشَّرى.
أقول: لايخلو أي تاريخ عن ذكر النقيع، بل وتتعدد الجوانب التي يذكرها المؤرخون من هذا الوادي، وما أكثر ما ذكر وادي النقيع الذي يصل طوله حتى يصل إلى وادي العقيق بالمدينة ما يقارب (100) كيل، كما وصف ذلك المؤرخون بالفراسخ والأميال ونذكر بعض الأدلة على وادي الحمى (وادي النقيع) لبرهان أهمية هذا الجزء الهام من تاريخ المدينة المرتبط بسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث دخل النقيع في التاريخ منذ أن أحماه النبي صلى الله عليه وسلم لخيل المسلمين، فروى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم حمى «النقيع». رواه البخاري برقم (2241)، وروى ابن شبة في تاريخ المدينة (1/ 156): أن النبي صلى الله عليه وسلم حمى النقيع للخيل وحمى الربذة للصدقة. وفي رواية أخرى : «حمى النقيع لخيل المسلمين ترعى فيه». وفي رواية: حمى النقيع لخيله.
ونقل الهجري أن أول الأحماء وأفضلها وأشرفها ما أحمى النبي من «النقيع» حماه لخيل المسلمين وركابهم. وروى الزبير من بكار عن مراوح المزني، قال: نزل النبي صلى الله عليه وسلم بالنقيع على «مُقَمِّل» - جبل هناك فصلى، وصليتُ معه - وقال في حمى النقيع: « نعم مرتع الأفراس يُحمى لهنَّ، ويُجاهد بهنَّ في سبيل الله». الأحكام السلطانية للماوردي (ص185).
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الصبح في المسجد، بأعلى عسيب وهو جبل بأعلى قاع النقيع. ثم أمر رجلاً صيتاً، فصاح بأعلى صوته فكان مدى صوته بريداً، هو أربعة فراسخ، فجعل ذلك حمى طوله بريداً، وعرضه الميل، وفي بعضه أقل.
وحمى النقيع الذي حماه الرسول صلى الله عليه وسلم ثم عمر بن الخطاب، هو الذي يضاف إليه في الحديث « غَرَز» فيقال: غَرَزُ النقيع، وهو يختلف عن «نقيع الخضمات الذي حماه عمر بن الخطاب، وهو من أودية الحجاز أيضاً. وروى البخاري في الصحيح أن عمر رضي الله عنه حمى غرز النقيع ونقيع الخضِمات. ووردت بعض الروايات أن خيل دولة الخلافة في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه بلغت (40) ألف رأس وتعتبر قوة للمسلمين.
وقد عاب الناس على عثمان أنه «حمى الحمى» وهو إنما زاد فيه، كما زاد عمر بن الخطاب على ما حماه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى الشروط نفسها التي وضعها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسار عليها عمر بن الخطاب وهو أنه «لا حِمى إلا لله و لرسوله».
وقد اضطر عثمان لزيادة الحمى لكثرة الحاجة إلى الإبل والخيل التي تُستعمل في سبيل الله، وقد قال عثمان معتذراً: «إن عمر حمى الحمى وإن الصدقة زادت فزدتُ في الحِمى، فمن شاء أن يرعى فليرع».
وكان عمر بن الخطاب يمنع الأثرياء من الرعي في الحمى، ويسمح للفقراء. روى البخاري في كتاب الجهاد، وصية عمر لمولاه هُنيّ، عامله على الحمى قال: يا هُنيّ، اضمُم جناحك عن المسلمين، واتق دعوة المظلوم. فإن دعوة المظلوم مجابة، وأدخل ربّ الصُّريمة وربّ الغُنيمة، وإياك ونَعَم ابن عفان وابن عوف، فإنهما تهلك ماشيتهما يرجعا إلى نخل وزرع، وإن ربَّ الصُّريمة ورب الغنيمة يأتيني بعياله فيقول: يا أمير المؤمنين، أفتاركهم أنا لا أبالك، فالماء والكلأ أهون عليّ من الدينار والدرهم. والذي نفسي بيده لو لا المال الذي أحمل عليه في سبيل الله ما حميت عليهم من بلادهم شبراً» رواه البخاري برقم ( 3058)..
النقيع والأدب:
قد ورد النّقيع في أشعار العرب كثيراً قال أبو قطيفة:
ليتَ شِعري وأين مني ليت؟
أَعَلى العهدِ يَلْبَنٌ فَبَرامُ
أم كعهدي النَّقيعُ؟ أمْ غيّرتْهُ
بعديَ المعصراتُ والأيامُ؟
وقال عبد الرحمن بن حسان في قاع النقيع:
أرِقْتُ لبرقٍ مُسْتطيرٍ كأنَّه
مصابيحُ تخبو ساعةً ثمَّ تلمحُ
يضيءُ سناهُ لي شرورى ودُونه
بقاعِ النَّقيعِ أو سنا البرقِ أنزح
وقال كثير بن عبد الرحمن:
فهلْ أرَيَنْ كما قد رأيتُ
لعزَّةَ بالنَّعف يوماً حُمُولا
بقاع النقيع بصحْن الحمى
يُباهين بالرقم غيماً مخيلا
وقال عبد العزيز بن وديعة المزني:
ولنا بقدس فالنقيع إلى اللوى
رَجْع إذا لهث السبنتَى الوالع
وادٍ قرار ماؤه ونباته
ترعى المخاض به ووادٍ فارعُ
صعد تحرز أهلُنا بفروعه
فيه لنا حِرْزٌ وعيْش رابع
قال الشاعر:
يا عقيق الحمى حمى الله مغناك
وروى ثراك من مزن دمع
من لصب يشوقه لامح البرق
فيرتاح قلبه للجزع
عقيق الحمى بالمدينة ونجد:
وإني للشوق من بعدهم
أراعي الخبوب مراحا ومغدى
وافرح من نحو أوطانهم
بغيث يجلجل برقا ورعدا
إذا طلع الركب يممتهم
أحييّ الوجوه كهولا ومردا
واسألهم عن عقيق الحمى
وعن أرض نجد ومن حل نجدا
وقال أعرابي:
سقى الله حياً بين صارةَ والحِمى
حِمَى فيدَ صوبَ المُدجِنَاتِ المواطرِ
أمين، وردّ الله مَنْ كان منهمُ
إليهم، ووقَّاهمْ صروفَ المقادرِ
ومعالم النقيع كثيرة لامجال للتفصيل هنا، منها: رواوة، روضة خاخ، وأيضاً الصحرة وبرام والواتدة وضاف وعسيب ومقمّل ويراحم، ويلبن.