د. إبراهيم الشمسان أبو أوس
إن أردت الإخبار في الفصيحة استعملت (ما زال) وإن أردت الدعاء قلت (لا زال)، وجاء ذلك في الشعر والنثر، «قال أوس بن حجر:
لا زال مسك وريحانٌ له أرج
على صَداكَ بصافي اللون سلسالِ
يسقى صَدَاه ومُمساهُ ومُصْبَحه
رِفهًا ورمسُك محفوفٌ بأظلالِ»(1)
«ومن ذلك قول ابن المعتز:
إنْ يحيى، لا زال يحيا، صديقي
وخَليلي من دونِ هذي الأنامِ
فقوله: (لا زال يحيا) حشو يُربي على حشو اللوزينج»(2).
«وقال بشر بن هذيل العبسي:
فيا طلحتَيْ لوذانَ(3) لا زالَ فيكُما
لمنْ يبتغي ظِلَّيْكُما فنَنَانِ»(4)
قال توبة بن الحميّر:
حمامة بطن الواديين ترنّمي
سقاك من الغرّ العِذاب مطيرها
أبيني لنا لا زال ريشك ناعمًا
ولا زلت في خضراء دانٍ بريرها(5)
وقال مروان بن أبي حفصة يرثي معن بن زائدة:
لا زال قبر أبي الوليد تجوده
بعهادها وبوبلها الأمطار(6)
ومن النثر قول الزجاجي في معرض الكلام عن الدعاء «وَتقول لَا يزل صَاحبك بِخَير أَي لَا زَالَ»(7).
ومن ذلك قول أبي عبيدة «يقال للرجل إذا دعوا عليه: لا رقأ دمعُك. يقول: لا زال دمعُك سائلًا بالمصائب والفجعات. فإذا دعوا له قالوا: ما له، رقأ دمعه، والمعنى في ذلك يقول: لا زال فرحًا مسرورًا، فدمعه راقئ، يعني محتبس»(8).
قال الطبري «سيدنا ومولانا الإمام المستظهر بالله أمير المؤمنين، لا زال سلطانه باذخ المكان، راسخ الأركان وأيامه رفيعة العماد، منيعة البلاد»(9).
وقال المقدسي «فأمرني، لا زال أمره عاليًا وجدّه صاعدًا، أن أجمع له كتابًا في هذا الباب»(10).
وأما أكثر المحدثين من متخصصين باللغة وغير متخصصين فخالفوا عن طريقة السلف، فخلطوا بين الخبر والدعاء، من ذلك ما جاء في قول محقق كتابٍ «والكتاب لا زال مخطوطًا»(11)، وفي حواشي كتابٍ «قلت: لا زال العلماء يرد بعضهم على بعض»(12)، ومثله «فسوق الليل لا زال معروفًا بمكة»(13)، ومثله في حاشية «لا زال النقل عن أبي سعيد السيرافي»(14). ومن ذلك ما جاء في كتاب «ثُمَّ لَا زَالَ السَّوَادُ يَتَرَاكَمُ عَلَيْهَا حَتَّى عَمَّهَا»(15).
وهذا ما أخذه عليهم أستاذنا كمال محمد بشر قال «نلحظ خلطًا في استعمال الطلاب بين أدوات النفي مع الفعل. وأكثر ما جاء من ذلك اختيارهم لأداة النفي (لا) مع الفعل الماضي مطلقًا:
(لا زال الموضوع يحتاج إلى دراسة)
ومكان النفي هنا يقتضي (ما)، لأن (لا) النافية لا تصاحب الماضي إلا في الدعاء في مثل (لا أصابك الله بمكروه) أو إذا تكررت مع فعلها، (لا قام ولا استخار)»(16).
وكذلك فعل أستاذنا أحمد مختار عمر قال «إذا أريد نفي الفعل الماضي وجب نفيه بـ(ما). ولا يصح استخدام (لا) إلا إذا تكررت مثل قوله تعالى: ?فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى، وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى?، أو كانت معطوفة على نفي سابق مثل: ما جاء الضيف، ولا اعتذر. أما إذا نفي الماضي بـ(لا) في غير هاتين الحالتين فإنها تفيد الدعاء كما في قوله تعالى: ?فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ، فَكُّ رَقَبَةٍ?، وكما في قولنا: (لا زال فضلك غامرًا)»(17).
فلا زال الله حافظًا على العربية سلامتها، ولا زال الله مقيّضًا لها من يحرسون حصونها.
**__**__**__**__**
(1) شرح القصائد السبع الطوال الجاهليات لابن الأنباري، ص300.
(2) فقه اللغة وسر العربية للثعالبي، ص278.
(3) لوذان ناحية من نواحي المذنب.
(4) الزهرة للأصبهاني، ص103.
(5) الفاضل للمبرد، ص24.
(6) العقد الفريد لابن عبد ربه، 3/ 248.
(7) الجمل في النحو للزجاجي، ص226.
(8) شرح نقائض جرير والفرزدق لأبي عبيدة معمر بن المثنى، 3/ 820.
(9) تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري، 11/ 187.
(10) البدء والتاريخ للمقدسي، 1/ 5.
(11) ينظر: التصاريف لتفسير القرآن مما اشتبهت أسمائه وتصرفت معانيه ليحيى بن سلام القيرواني، ص32.
(12) مصنف ابن أبي شيبة،20/ 205.
(13) أخبار مكة للفاكهي، 3/ 16.
(14) التخمير شرح المفصل في صنعة الإعراب لصدر الأفاضل الخوارزمي، 3/ 174.
(15) تحقيق مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح لنور الدين الملا الهروي القاري، 5/ 1790.
(16) دراسات في علم اللغة لكمال محمد بشر، ص: 287- 288.
(17) أخطاء اللغة العربية المعاصرة عند الكتّاب والإذاعيين لأحمد مختار عمر، ص167.