أ.د.صالح معيض الغامدي
سبق لي أن أشرت إلى هذه السيرة الذاتية للكاتب أحمد العرفج في تغريدة لي سابقة، وتحديدا إلى ظاهرة السخرية فيها. والحقيقة أن هذه السيرة تبدو في بعض جوانبها مختلفة عن غيرها من السير الذاتية السعودية، بل فريدة، وهذه الفرادة تكمن في عدة سمات انفردت بها مثل توظيف السخرية توظيفا بارزا، والإكثار من الاعترافات والبوح وخاصة بالجوانب السلبية، (أو التي يعدها بعضنا كذلك) في حياته، وكذلك الصراحة غير المعتادة …وغيرها من السمات الأخرى التي لا مجال لذكرها في مقال قصير مثل هذا. وبغض النظر عن موقفنا الشخصي من هذه السمات لسيرته، فإنها تشكل سمات وملامح سيرذاتية انفرد بها العرفج. وسأركز في هذا المقال على ملح واحد من ملامح هذه السيرة وهو ما أسميته «استراتيجية الإرجاء».
المقصود بالإرجاء هنا، وفي السيرة الذاتية عموما، هو أن يرجيء الكاتب ، لسبب أو لآخر، سرد بعض تجاربه الحياتية أو الاستطراد فيها، إلى وقت آخر قد يحدده في سيرته وقد لا يحدده. وفي حالة العرفج نراه يمارس هذا الإرجاء بكثرة وغالبا ما يحدد وقت وزمان سرده.. ويمكن أن يكون الإرجاء السيرذاتي داخليا إي داخل السيرة الذاتية نفسها، أو خارجيا إي في موطن آخر خارج السيرة وغالبا ما يكون ذلك في كتاب آخر أو كتب أخرى يعد بتأليفها، وأغلب إرجاءات العرفج هي إرجاءات خارجبة كما سنرى.وتأتي إرجاءات العرفج في الغالب مقترنة بتحديد الزمان والمكان الذي سينشر فيه هذه التفاصيل التي أحجم عن ذكرها في سيرته، فهو يعد القارىء كثيرا بأنه سيخصص كتبا منفردة لهذه الموضوعات التي لم يشأ أن يستطرد فيها في سيرته. والسبب الوحيد الذي يذكره العرفج لهذه الإرجاءات هو الرغبة في عدم الإطالة كما يقول.
وسنورد هنا بعض الأمثلة على هذه الإرجاءات التي وردت في سيرة العرفج، فهو يقول، على سبيل المثال، أثناء حديثه عن عمله في الإجازات الصيفية في المدينة المنورة « ولن أطيل في تفاصيل العمل هنا لأنني سأشرحه بالتفصيل في كتاب يتناول حياتي الوظيفية، بعنوان» الملطّف من سيرة العرفج الموظف»( ص 62).
ويقول في سياق حديثه عن الفريق الذي أسسه لكرة القدم، وعن تسجيله في نادي الحزم: « ولن أطيل في هذا السياق لأنني سأجمع ذكرياتي الرياضية في كتاب مستقل، اسمه « الكلام الفاضي من سيرة أحمد العرفج الرياضي»(ص 65). ويقول أيضا في سياق حديثه عن العمل في التجارة « ولن أطيل في الحديث عن هذا المشروع لأنني سأتناوله بالتفصيل في كتاب مستقل تحت عنوان» الرابح والخاسر في سيرة أحمد العرفج التاجر» ( ص 85). ويقول في سياق حديثه عن الرحلة التي زار فبها أخاه في ادنبره في بريطانيا « لن أسترسل في هذه الرحلة لأنني سأتناولها في كتاب مستقل» (ص114).
وفي حديثة عن تعيينه مدرسا في المدينة المنورة « لن أطيل هنا في وصف هذه الوظيفة لأنني سأذكرها بالتفصل في كتاب مستقل» ( 117).ولو بحثنا عن وظائف هذا الإرجاء في سيرة العرفج فسنجد أنها تتمحور حول وظيفتين رئيستين: الأولى وظيفة بنيوية، وهي الرغبة في الحفاظ على قدر من التماسك والترابط في بناء سيرته الذاتية ، وعدم ترهلها وتشعبها، والوظيفة الثانية وهي الأهم من وجهة نظري هي الوظيفة التشويقية التي تثير فضول القراء وتجعلهم ينتظرون ما يعدهم به العرفج مما أخفاه في سيرته. ونظرا لأني لم أقف على ظهور أي كتاب من هذه الكتب التي وعد العرفج بتأليفها في سيرته، فإنني أرى أن ذلك يعزز الوظيفة الثانية وبخاصة إذا ما نظرنا إلى السجع الساخر الذي يكتنف عناوين هذه الكتب. ولذلك كله أرى أن الإرجاء في سيرة العرفج كان استراتيجية تأليفية تشويقية أكثر من كونه مجرد رغبة في الاختصار وعدم الإطالة.