سلمان بن محمد العُمري
منذ كنا صغاراً ونحن نسمع مقولة «الاعتذار من شيم الكرام»، وهي علامة على الإنسانية والنبل والنضج والشجاعة، وقبلها صفاء القلب ونقاء السريرة.
وفي الوقت الذي يكون فيه الاعتذار وتصحيح الخطأ من شيم الرجال نجد «أشباه الرجال» من الرخوم الذين يستثقلون نطقها تكبراً ظناً منهم أن الاعتذار يقلل من قدرهم، أو ينال من مكانتهم، وهم الصغار الضعفاء بدون اعتذار.
ونتيجة لهذا الظن الخاطئ الذي يحول دون اعتذار الإنسان عن خطأ اقترفه قد تُقطع أرحام أو تتهدم بيوت وتنقطع أواصر المودة بين زملاء العمل أو الجيران، وربما تتحول صداقة الأصدقاء إلى جفاء؛ لأن أحدهم أبى واستكبر أن يعتذر، ومثل هذه النوعية من البشر ليس لهم رأي وحكمة يقودهم آخرون نتيجة ضعفهم ونفوسهم المريضة، وحقدهم الدفين، وغيرتهم من الآخرين، وهم يسيرون بغير هدى، ونميمة وشر مستطير.
ولمثل هؤلاء الذين يرفضون الاعتذر عن الخطأ، نقول: إن القوة كل القوة في الاعتراف بالخطأ والاعتذار عنه، بل إن الاعتذار هو الخطوة الأولى إلى طريق العودة إلى الحق، حتى بين الإنسان وخالقه، وقد دلنا السلف الصالح على شروط التوبة النصوح ومنها: الإقرار بالذنب، ثم الندم عليه، والعزم على عدم العودة لمثله أبداً، ثم الاستغفار عنه.
والإقرار بالذنب أو الخطأ يتجسد في الاعتذار لمن أخطأنا في حقه وطلب الصفح منه، وليس في ذلك أدنى انتقاص من مكانة المعتذر فهو إنسان قادر على تصحيح مساره دائماً مهما كانت درجة الانحراف عنه، في حين أن من يرفض الاعتذار إنسان ضعيف لايستطيع أن يروض أهواء النفس أو يلجم آفات الكبر بها، فتتمكن منه وقد تنزلق به إلى العناد في الباطل.
وفي حياتنا اليومية كثير من المآسي التي وقعت لأن كثيراً منا لايملك شجاعة الاعتذار لزوجته أو أخيه أو زميله في العمل وكثيراً ما نسمع ونرى عن أشقاء جفت بينهم مشاعر الأخوة لأن أحدهم يأنف أن يعتذر عن خطأ وجرم اقترفه في حق شقيقه.
ولأمثال هؤلاء نذكر مقولة عمر بن الخطاب الشهيرة، أصابت امرأة وأخطأ عمر، فهل نال ذلك من مكانة ثاني الخلفاء الراشدين؟! أم أن شجاعة عمر رضي الله عنه التي اشتهر بها في كل ميدان تتجلى في هذه المقولة علّنا نتعلم جميعاً أن الاعتذار بالخطأ ليس ضعفاً، بل شجاعة والتزام بالحق ورجوع عن الباطل.
وإن كان الاعتذار شجاعة، فإن الصدق فيه صفة لازمة لايتحقق إلا بها؛ فكل ابن آدم خطّاء وخير الخطائين التوابون.