د.عارف أبوحاتم
ماذا فعلت إيران بالأمس؟!
خلال السنوات العشر الماضية بالغت إسرائيل والولايات المتحدة في إهانة إيران وكسرت هيبتها وقيمتها في المنطقة، مرة باغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الجنرال قاسم سليماني في ضربة أميركية بطائرة مسيرة في بغداد في الثالث من يناير 2020، ليلحقه في 27 نوفمبر من نفس العام العالم فخري زاده المعروف بـ»أبو البرنامج النووي الإيراني» عندما كان يقود سيارته مع زوجته متوجهيْن إلى منزليهما الريفي في مدينة أبسرد جنوب طهران.
وقبلهما تم اغتيال خمسة من العلماء النوويين الإيرانيين هم مسعود محمدي، مجيد شهرياري، داريوش رضائي نجاد، ومصطفى أحمدي روشن، وحسن مقدم، بين عامي 2010- 2012 .
وفي 22 مايو 2022، قُتل العقيد في الحرس الثوري صياد خدايي برصاص أطلقه شخصان كانا على دراجة نارية في طهران وقالت صحيفة نيويورك تايمز يومها إن إسرائيل أقرت باغتيال خدايي!.
وفي 25 ديسمبر اغتالت إسرائيل العميد سيد راضي الموسوي ممثل الحرس الثوري في سوريا في مزرعة بريف دمشق.
وفي الأول من إبريل الجاري قصفت إسرائيل القنصلية الإيرانية في دمشق وقتلت 16 شخصاً بينهم 4 ضباط كبار في الحرس الثوري، أحدهم العميد محمد رضا زاهدي وهو قائد كبير في فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني.
سلسلة الموجعات الإسرائيلية الأمريكية كانت تتلقاها إيران بصبر المغلوب، لا بحكمة القادر، ومع تعاظم هذه الإهانات والتي كان أوجعها قصف القنصلية الإيرانية بدمشق والتي تُعد وفقاً لاتفاقية جنيف 1969 جزءاً من أراضي الدولة التابعة لها، ولم يكن أمام إيران من خيار غير اتخاذ خطوة أكثر جدية للحفاظ على ماء وجهها وسمعتها إقليمياً ودولياً.
أخيراً قررت إيران السبت 13 إبريل أن ترد الصاع صاعين لإسرائيل، وقررت قصفها عبر 185 طائرة درونز، 110 صواريخ أرض أرض، 36 صاروخ اسكود.
والنتيجة؟!!
لم يُقتل إسرائيلي واحد
لم يُجرح إسرائيلي واحد
لم يُدمر مبنى إسرائيلي واحد
لاحقاً قالت القناة 12 الإسرائيلية إن مبنى في قاعدة نيفاتيم العسكرية تحطمت نوافذه!
ونشرت وسائل التواصل الاجتماعي صورتين مخزيتين الأولى لصاروخ إيراني أرض أرض سقط في العراق وتبين أنه لم يكن يحمل رؤوساً حربية!!
أي لم يكن فيه غير خزان الوقود الذي يحمل هيكله!
والأخرى لطائرة درونز هزيلة القدرة والتقنية علقت في أسلاك أعمدة الكهرباء في غرب العراق!
والمحصلة تؤكد أن ما فعلته إيران قد ألحق ضرراً فادحاً بحضور كاريزميتها المرسومة في أذهان سكان منطقة الشرق الأوسط، وقصم العقيدة القتالية للجيش الإيراني، وألحقت شرخاً نفسياً كبيراً بجيشها، الذي يتوارث قوة عمرها أربعة آلاف سنة، فعنترياتها المعتادة في البر والبحر خلال العقدين الماضيين قد رسمت لها صورة نمطية متوحشة، وذات أنفة سياسية وعسكرية، لكن الإهانات العسكرية والأمنية لها من قبل إسرائيل والولايات المتحدة كانتا كفيلتين بكشف عورتها سياسياً وعسكرياً وهشاشة قوتها المصنوعة في وسائل الإعلام، لتسدل الستار على قوتها المصنوعة في الميديا عبر هذا الرد الذي لا ينتمي إلى العمل العسكري في شيء.
لكنّ ثمة سؤالاً جوهرياً:
أليس الشارع العربي شديد الكره والحقد على دولة الاحتلال الإسرائيلي.. فلماذا سخر بهذا القدر اللافت من الضربات العسكرية الإيرانية ضد إسرائيل؟!!.
السبب -في تقديري- مرده إلى أمرين:
السلوك الإيراني المتوحش في أكثر من بلد عربي عبر أذرعها المسلحة كالحوثيين وحزب الله والحشد الشعبي، وما أحدثته من خراب وحروب وطائفية عنصرية مزقت الدول وفككت النسيج الاجتماعي للمجتمعات التي تحضر فيها.
والآخر: هزالة الضربة العسكرية التي وجهتها لإسرائيل، والتي كشفت بجلاء حجم التخادم بين البلدين ووجود تحالفات وصفقات بينهما لا تصل إليها عيون الإعلام.
وإذا دخلت حرب إيران ضد إسرائيل إلى مدونات التاريخ فلن تدخل إلا بكونها قد حققت أمرين اثنين:
الأول: أنها أول حرب لم تعلن فيها الدولة المعتدى عليها حالة الطوارئ ولا دعت مواطنيها إلى الاختباء في الملاجئ، بل لم تطلق صفارات الإنذار!
الآخر: أنها أول حرب تعلن فيها الدولة المهاجمة انتهاء الحرب قبل أن تصل صواريخها إلى أرض العدو!!
وإذا عرفنا في التاريخ القديم «حرب الأربعين سنة» بين قبيلتي بكر وتغلب، فإن الحرب الإيرانية الإسرائيلية ستدخل التاريخ بمسمى «حرب الأربعين دقيقة».. وهي الحرب الوحيدة التي لم تعلن فيها الدولة التي تعرضت للهجوم أنها ستحتفظ لنفسها بحق الرد، ذلك لأنها لم تخسر شيئاً، وكل الضحايا هم صواريخ ومسيرات إيران!.