اللواء الركن م. سلامة بن هذال بن سعيدان
لقد اتخذ أعداء الأمة العربية الذين يتاجرون بالقضية الفلسطينية وأولئك الذين يتربصون بالأمة الدوائر التنظيمات والمليشيات المحسوبة على الأمة العربية مطايا ساقطة يمتطونها وأدوات هابطة يمتهنونها لتوفير الذرائع التي يسهل على ضوئها الإيقاع بالأمة وارتكاب الفظائع ضدها من قبل الأعداء، كما هو الحال بالنسبة لعملية ما يعرف بالطوفان التي أدت إلى ما أدت إليه من قتل البشر وتدمير المقر وفوَّتت الفرصة على الجهود المبذولة لحل الدولتين تنفيذاً لمخطط محور المقاومة الذي يخضع للمساومة والمزايدة ورفع الشعارات، وينطوي على ما ينطوي عليه من ممارسات عبثية ومآرب مصلحية.
وقد استغلت الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني الموقف لاتخاذه ذريعة لتحريك المياه الراكدة وتغيير الوضع الراهن بالشكل الذي يخدم مشروع كل منهما في المنطقة انطلاقاً من تدمير البنى التحتية في غزة، وقتل سكانها على هيئة إبادة جماعية وحرمان مَنْ تبقى منهم من جميع مقومات الحياة لإخضاعهم للتهجير القسري والتطهير العرقي، وبالتالي التحلل من الاتفاقيات المجمدة والاستفادة من المواقف المتجددة والعودة بالقضية الفلسطينية إلى النقطة المرجعية المعلومة والخطة المرسومة توطئة للتغيير الديمغرافي وتهويد الدولة وتوسعها حسب المخطط الصهيوني المرسوم.
وموقف الدولة العبرية بعد الطوفان ورد فعلها المحسوب بعناية والمخطط له بدقة، يدل دلالة واضحة على علمها المسبق بذلك، مضحية بالخسائر في جانب بما يتيح لها إيجاد المبررات والذرائع لارتكاب الفظائع في الجانب الآخر مع خلط الأوراق من جديد على طريق الهدف البعيد.
ومن زاوية أخرى فإن تحركات الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة قبل العملية ورد فعلها السريع والمبالغ فيه بعدها، كل ذلك يؤكد وجود مؤامرة مشتركة نفذتها مطايا الشيطان لخدمة نوايا الأمريكان.
والكيان الصهيوني وجد في عملية الطوفان ذريعة له لشن العدوان ضد مدنيين عزل لا ناقة لهم ولا جمل فيما حصل، حيث إن هذا العدوان هو الأمر المبيت الذي بموجبه يبدأ تغيير الوضع الراهن وعقد العزم على خيار الدولة الواحدة ذات الهوية اليهودية، وما يعنيه ذلك من إيصاد الباب أمام محاولات الحل السلمي وفتحه على مصراعيه لتكريس الاحتلال والتوسع.
ومن هنا يجد المشروع الصهيوني طريقه إلى التنفيذ وبيئته الحاضنة المتمثلة في المشروع الأمريكي الذي تحاول أمريكا من خلاله السيطرة على المنطقة واتخاذ الدولة العبرية قاعدة أمامية، تستخدمها لبلوغ أهدافها وزيادة نفوذها على حساب إضعاف الدول العربية وتحويل بعضها إلى دول فاشلة.
والدول التي لها مشاريع قومية أو استعمارية في المنطقة تلتقي مصالحها مع مصلحة الدولة العبرية في ظل المشروع الأمريكي الاستعماري، والقاسم المشترك بين الجميع هو تمزيق قومية العرب وتقسيم دولهم إلى كيانات خاملة ودول فاشلة لا تحمي لها حمى، ولا يجمع بينها انتماء، فاقدة لعقيدتها الدينية وقوميتها العربية وحرمتها الوطنية.
والتنظيمات العميلة والجهات الأجنبية الراعية لها يعتبر شغلها الشاغل استغلال حيثيات القضية الفلسطينية وملابساتها والعمل على إفراغها من مضمونها عن طريق استخدامها أداة للمزايدات والمساومات التي تهدف إلى تفريق العرب وتشتيت شملهم وفصلهم عن مرجعياتهم الانتمائية لكي تتاح الفرص لهؤلاء المتآمرين لتحقيق أهدافهم الجيوسياسيىة وأطماعهم التوسعية على حساب الأمة العربية التي استحكم فيها الفشل والخذلان وسيطر عليها الذل والهوان.
وما حصل في غزة من اعتداء ظالم على الشعب الفلسطيني من قبل أعداء الدين والأمة فتح شهية مطايا الشيطان من المحسوبين على هذه الأمة في كل من فلسطين واليمن ولبنان والعراق لركوب موجة العدوان والسير في ركاب الأعداء بالقول والفعل من خلال تأجيج الفتنة وبث الفرقة وتأليب بعض الأمة على بعضها والتغرير بالسذج واستخدامهم مطاياً للشيطان ووقوداً لاستمرار العدوان.
ومن هذا المنطلق يوجد الكثير من الأبواق المحسوبة على الشعب الفلسطيني التي تتهم العرب بالتآمر على القضية الفلسطينية زوراً وبهتاناً، وهم الذين يضحون من أجلها ويحاولون حلها والدفاع عن أصحابها، وتتجاهل هذه الأبواق الدولة التي تتآمر على القضية وتتاجر بها جاعلة منها مادة دسمة لتسويق سلطتها وتصدير ثورتها.
وجعجعة الحركة الحوثية في البحر الأحمر ومناصرتها المزعومة لأهل غزة لا تخرج عن كونها زوبعة إعلامية ذات سمة دعائية تعمل هذه الحركة عن طريقها على إثبات وجودها وإرضاء أسيادها ورعاتها مع الأخذ في الحسبان أن الحركة الحوثية رغم أنها مطية للشيطان وضحية لمرض عمى الألوان، فإن لها علاقات تمارسها في الظلام عندما يكون الناس نياما مع الولايات المتحدة والكيان الصهيوني مهما حاولت تغليف هذه العلاقات بغلاف من الشعارات المعادية الكاذبة، كما أن موقفها في البحر الأحمر بقدر ما يمليه عليها غيرها بقدر ما يندرج في إطار مسرحية أمريكية لتغطية النوازغ الشيطانية والنوازع الاستعمارية.
والحركة الحوثية لا تستطيع الصمود أمام أمريكا في ميدان المنازلة، وليس لها وجود في ميزان المعادلة، ولكن أمريكا تتعامل معها بوصفها مطية تمتطيها لتأدية مهام بغيضة وإشباع رغبات مريضة على حساب الأمن البحري لدول المنطقة.
والعربدة الحوثية في البحر الأحمر ليس لها انعكاسات ضارة ولا يترتب عليها نتائج غير سارة بالنسبة للدولة العبرية التي لم تتعرض لخسائر تذكر، والضرر ينعكس على اليمن ذاته ومصر والأردن بالدرجة الأولى وبعض الدول العربية وكذلك بعض الدول الإقليمية والعالمية، علاوة على تراجع التجارة الدولية وانخفاض حجمها وارتفاع تكاليف الشحن وزيادة نسبة التضخم، والاستفادة من الأزمة تتأرجح بين الجهات ذات الوصاية على المطايا وتلك التي تجيد خبث السياسة وقبح النوايا.
وكما أن عملية الطوفان أوجدت ذريعة لما حصل في غزة من إبادة جماعية وتدمير للبنى التحتية فإن الحركة الحوثية خلقت ذريعة لما يجري في البحر الأحمر من عرقلة الملاحة البحرية وإلحاق الضرر بالتجارة العالمية، وقد تدخلت أمريكا في الحالة الأولى لحماية الدولة اليهودية وتدخلت في الحالة الثانية للغرض نفسه من جهة ولصرف الأنظار عما يحدث في غزة من جهة ثانية،وتخفيف الضغوط العالمية عليها نتيجة لموقفها من حرب غزة من جهة ثالثة،واستباقاً للصين في المنطقة من جهة رابعة.
ومن الدوافع والأهداف تعزيز السيطرة على الممرات البحرية واعتبار السيطرة على البحر الأحمر أحد أهدافها الاستراتيجية، كما تهدف إلى إعادة حشد حلفائها وتوفير غطاء دولي لعملياتها في هذه المنطقة الحيوية مع الحرص على إصلاح ما أفسدته سياساتها غير المنضبطة وممارساتها غير العادلة تجاه الحلفاء.
ورغم اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية بحرية الملاحة البحرية واعتبارها من الأسس التي قامت عليها استراتيجيتها العالمية إلا أن دوافعها وراء ما يجري في البحر الأحمر أبعد من ذرائعها، كما أن ثمة دوافع غير معلنة ونوايا مبطنة تتجاوز الاهتمام بالأمن البحري إلى ما يمكن اعتباره مدخلاً لتنافس دولي يترتب عليه عسكرة البحر وتغيير قواعد اللعبة وتحولها إلى نكبة، الأمر الذي يوحي بتفاقم الأوضاع أكثر من معالجتها لأن تعامل أمريكا مع الأزمة يزيد من توسعها ويطيل أمدها، بدلاً من محاولة حلها وذلك نتيجة لطبيعة المركب المركوب وحاجة في نفس يعقوب.