تغريد إبراهيم الطاسان
منذ تأسيسها في العام 1976م، دأبت مؤسسة الملك فيصل الخيرية على إطلاق المبادرات والبرامج والمشاريع النوعية التي تسعى من ورائها إلى تحقيق أهدافها ورسالتها السامية في تعزيز العمل الخيري والتنموي، وتحقيق التنمية المستدامة، وتحسين جودة حياة الأفراد والمجتمعات، من خلال انتهاجها نهجاً فريداً لتحقيق هذه الأهداف من تكريم العلم والعلماء وإثراء البحث العلمي والنهوض بالعملية التعليمية التربوية، وهو ما أكسب هذه المؤسسة سمعة عالمية عالية على مدى عمرها الذي يتجاوز السبعة وأربعين عاماً.
وتشكّل جائزة الملك فيصل العالمية إحدى أبرز وأهم المبادرات التي تبنتها هذه المؤسسة العالمية العريقة في العام 1977م والتي تحمل اسمًا لرمز عربي سعودي غالٍ هو الملك فيصل بن عبدالعزيز - رحمه الله - الذي يُمثل قيمة عظيمة للسعوديين والعرب والمسلمين، وذلك تخليدًا لمواقفه ونبله وحبه للعلم والعلماء، كيف لا وهو صاحب الدور البارز والمواقف العربية والإسلامية المشرفة في تعزيز العلم والثقافة في المملكة وعلى الصعيدين الإقليمي والدولي.
وتجسّد جائزة الملك فيصل مدى الاهتمام والعناية الكبيرة التي توليها قيادة هذه البلاد المباركة للعلم وأهله والعلماء وإنجازاتهم التي تخدم البشرية جمعاء, وهي تأكيد على الدور الحيوي والريادي للمملكة التي لا تألو جهداً، ولا تدخر وسعاً في خدمة العلم والاهتمام به والعناية بنشره وتعليمه، لذا تعتبر هذه الجائزة شرفاً كبيراً ومصدر فخر للمملكة، فهي تساهم في تعزيز العلاقات الثقافية والعلمية بينها وبين العالم، كما أنها تلعب دورًا مهمًا في تشجيع البحث العلمي والابتكار، وتعزيز التفاعل الثقافي والفهم المتبادل بين مختلف الثقافات والأمم.
وتتميز جائزة الملك فيصل العالمية بتنوع مجالاتها، حيث تُمنح في عدة فئات تشمل العلوم الإنسانية والاجتماعية، والعلوم الإسلامية، والفنون والثقافة، والبحث العلمي، ونظرًا لما تتميز به من دقة وأمانة في اختيار الفائزين فقد اكتسبت هذه الجائزة سمعة عالمية طيبة، ومكانة مرموقة بين الجوائز العالمية، فهي توازي في نظر الكثير من العالم العربي والدولي جائزة نوبل على مستوى العالم.
ولا شك أن القائمين على هذه المؤسسة أحسنوا صنعًا باستحداث هذه الجائزة، انطلاقًا من الأهداف العامة التي سطّرت منذ إنشائها، فهي تسعى إلى تشجيع وتكريم الباحثين والعلماء والشخصيات الأكثر عطاءً وإبداعًا وتأثيرًا في حركة الثقافة العربية والعالمية ممن قدموا إسهامات مبتكرة ومميزة في مجتمعاتهم وعلى الصعيدين الإقليمي والدولي.
وعلاوة على أهدافها وقيمها السامية، تنبع أهمية هذه الجائزة أيضًا من استنادها إلى مرتكزات أساسية تقوم على خدمة الإسلام والمسلمين في المجالات الفكرية والعلمية، وإثراء الفكر الإنساني والإسهام في تقدّم البشرية وتأصيل المبادئ والقيم الإسلامية في الحياة الاجتماعية وإبرازها للعالم، وذلك وفق معايير علمية صارمة.
منذ ساعات قليلة وبعد ستة وأربعين عامًا من التمُّّز، كنا على موعد مع تكريم جائزة الملك فيصل العالمية للفائزين بدورتها السادسة والأربعين والذين تم اختيارهم بناءً على كفاءاتهم العلميّة، وتميّزهم البحثيّ في ضوء معايير علمية دقيقة تشرف عليها عدة لجان متخصصّة، تنهض بمسؤوليّة فحص الترشيحات وتقييم الإنتاج العلمي للمرشحين ممن أسهموا وقدّموا أبحاثًا متميزة وتوصّلوا لاكتشافات فريدة وابتكارات استثنائية في خدمة الإسلام والمسلمين والبشرية جمعاء.
كل الشكر والتقدير والعرفان لكافة المسؤولين والقائمين على الجائزة وجهودهم الكبيرة التي أوصلتها إلى هذا المستوى المشرف على الصعيد العربي والإسلامي والعالمي، وكلنا أمل بأن تواصل تحقيق المزيد من التوفيق والنجاح في هذا العمل الخيري الجليل الذي اعترف به العالم وبالجائزة وبمكانتها ودورها العلمي الذي تقوم به لخدمة الإسلام والمسلمين والبشرية جمعاء بعيدًا عن التمييز والعنصرية والتحيز لجنسٍ أو لونٍ أو عِرق.