خالد بن حمد المالك
لأول مرة تكون قواعد الاشتباك في الحروب بالاتفاق على ما يجب أن تكون عليه، بما يُشبه المسرحية، وبما لا يضر أيُّ طرف بالطرف الآخر، التزاماً بكذبة أنهما لا يريدان التصعيد، بينما المقصود الحقيقي غير ذلك، في حرب قال عنها الرئيس الإيراني بأنها حرب إرادات، وأن إيران انتصرت فيها!!.
* *
هذا ما يمكن أن يُقال عن الحرب الإسرائيلية - الإيرانية المفتعلة التي همّشت تسليط الأضواء على حرب الإبادة في غزة، وصرفت المتابعين عنها بانتظار ما يمكن أن يتحقق بعد تصريحات إيرانية نارية للانتقام لقتلاها في القنصلية، وأخرى إسرائيلية للرد الذي لن تتوقعه إيران.
* *
حدث ما حدث، ورأينا برداً وسلاماً، فلا إيران قتلت إسرائيلياً واحداً على قاعدة السن بالسن والعين بالعين والقصاص لكم يا أولي الألباب، ولا إسرائيل وقد وصلت إلى عُمق إيران تخلصت من المفاعل النووي الذي كانت تشتكي منه، وكانت صواريخها على بُعد أمتار منه.
* *
الأكثر غرابة، واستغفالاً للمتابعين، الذين لا تنطلي عليهم حروب المسرحيات على نحو ما حدث بين طهران وتل أبيب، أن تنكر إيران مصدر الهجوم، وأن تتجنب إسرائيل الإعلان عن أنها الفاعل في الاستهداف الذي هَوّنت منه إيران بقولها إنها أجسام مشبوهة تم اعتراضها وتدميرها دون أن تُصِبَ أيّ هدف.
* *
تخارجت الدولتان في التعامل مع هذه الحرب التي وُصفت بالمسرحية بعدم الإشارة إلى أن الهجوم على أصفهان جاء من إسرائيل، وزيادة على ذلك تقول إيران إن الأصوات التي سُمعت عن انفجار إنما هي ناتجة عن التصدي للمُسيّرات وليس عن حصول تفجيرات، مع أنها بالإجماع كانت صواريخ ولم تكن مُسيرات.
* *
وتقول إيران أيضاً بأنه لا نية لديها للانتقام، ولا رغبة عندها للتصعيد، لأن صواريخ إسرائيل أصابت موقعاً إيرانياً في حدود (ربما!!) ما تم الاتفاق عليه، خاصة وأن تل أبيب أبلغت مُسبقاً واشنطن قبل الهجوم عن تنفيذها للضربة في حدود المسرحية المتفق عليها.
* *
ويُبرر الإسرائيليون عدم الإعلان عن مسؤوليتهم عن هذا الهجوم على إيران لأسباب إستراتيجية، غير أن أمريكا كشفت عن أن الهجوم إسرائيلي وبالصواريخ، ولكنه صُمّم بشكل لا يؤذي إيران، ولا يستفزها للرد، وأمريكا لم تشارك في الضربة الإسرائيلية بخلاف ما فعلت في تصديها للهجوم الإيراني.
* *
ولحفظ ماء الوجه، فقد سبقت طهران أي توقعات للرد على استهداف إسرائيل لها بالقول إن الأصوات التي سُمعت بما يُشبه الانفجار كانت نتيجة لتفعيل نظام منظومة الدفاع الجوي، بينما يعلن الإسرائيليون بأنه لا تغيير في موضع السلامة الأمنية في إسرائيل بعد الهجوم، بما يؤكد علمهم بأن إيران لن ترد.
* *
ولأن إيران ليس لديها خطط للرد، فقد تم الإعلان على الفور عن إلغاء القيود على المطارات، واستئناف وجدولة الرحلات الجوية، وكان الوحيد الذي أشار إلى أن إسرائيل تقف وراء الهجوم ووصفه بأنه مسخرة وضعيف هو بن غفير وزير الأمن القومي في حكومة إسرائيل، الذي اعتُبِرَ لدى الإسرائيليين أن تصريحه يضر بمصالح إسرائيل.
* *
ومع هذا الغموض الإسرائيلي، والتعتيم الإيراني، والتضليل على من يقف وراء الهجوم، وادعاء أمريكا بأنه ليس لديها تقارير عن هذا الهجوم حسب ما تناقلته وسائل الإعلام، ومع هذا التطور في وصول إسرائيل إلى عُمق إيران لأول مرة، تأتي طهران ضمن هذا التعتيم والغموض لتشير ضمن تصريحاتها المتناقضة والمرتبكة إلى أن الهجوم ربما يكون من الداخل.
* *
ولم يكتف وزير الخارجية الإيرانية بعدم رغبة طهران في الرد على هجوم إسرائيل، وإنما أوعزت لروسيا لتقوم بإبلاغ إسرائيل بأنها لا تريد التصعيد، وهو ما حدث، وكان الرد الإسرائيلي بأنها اكتفت بما حدث باعتباره رسالة لإيران عن قدرات إسرائيل للوصول إلى عُمقها، حيث تمت مهاجمة 9 أهداف بقاعدة جوية للحرس الثوري.
* *
ومع أن أمريكا لم تُعلّق على الهجوم مُكتفية بدعوتها للطرفين بتجنب التصعيد، وبمشاركتها في حلف الناتو، حيث أعلنت مجموعة السبع (G7) عن اتخاذ عقوبات ضد إيران، وأنهم سيحاسبونها على ما أسموه أعمالها الخبيثة المزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط.
* *
ما يهمني قوله أخيراً إن هذا الهجوم والهجوم المضاد بين إسرائيل وإيران صَرف النظر ولو لبعض الوقت عن جرائم إسرائيل في غزة، وأن إيران لم تقتل إسرائيلياً واحداً مقابل قتلاها السبعة المُهمين في القنصلية، وأن من تداعيات هذه المسرحية أن 100 ألف ناخب سوف يُصوّتون لنتنياهو حسب استطلاع رأي إسرائيلي لو جرت انتخابات مُبكرة، وهو ما يعني زيادة الأصوات التي سيحصل عليها رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو.