عبدالرحمن الحبيب
في كتاب «الهند: القوة العظمى الأخيرة» لمؤلفه السفير الياباني هيروشي هيراباياشي، يصف الهند بأنها «مهد لإحدى الحضارات الأربع الكبرى.. وتشبه الفيل، نظراً لحجم البلاد الضخمة بقوة هائلة، على الرغم من أنها تتحرك ببطء».. ونظراً لأن الهند «بلد الحالات القصوى» والفروق الدقيقة، ينصح المؤلف بإيلاء اهتمام إضافي لفهمها بشكل أفضل؛ ورغم أن مناخ الاستثمار فيها يعاني من مشاكل مثل: «الطرق السيئة، وانقطاع التيار الكهربائي المتكرر، والمياه غير النظيفة، ورداءة أنظمة الصرف الصحي ..إلخ. إلا أن هيراباياشي يتوقع أن تنضم الهند قريباً إلى نادي القوى العظمى مع أمريكا والصين وروسيا، مما سيشكل أهمية متزايدة للهند على المسرح العالمي لتلعب دوراً ريادياً في السياسة الدولية..
في ثمانينيات القرن العشرين كان هناك توافق عالمي إلى حدٍّ كبير وكذلك في الثقافة الشعبية الأمريكية، وأيضاً في الدراسات البحثية حول القوى العظمى، على أن اليابان ستدير العالم قريباً، حسبما يشير كتاب «صعود وسقوط القوى العظمى» طبعة عام 1987 لمؤلفه بول كينيدي. بينما في النسخة المتأخرة من الكتاب تعدلت الفكرة، وحلت الصين محل اليابان.. فهل لو ظهرت نسخة جديدة من الكتاب سنرى الهند تحل محل الصين؟
من متغيرات هذا العام أن أكبر دولة في العالم بعدد السكان لم تعد الصين بل الهند، فالأولى سبق أن وصلت لذروة العدد وبدأت بالانخفاض بينما الهند لا زالت تنمو سكانياً. هذا النمو له تأثير كبير من الناحية الرمزية لكن الأهم هو من ناحية التركيبة السكانية أو الهيكل العمري لا سيما حجم الفئة العمرية العاملة، فالهند لديها الآن أكبر فئة عمرية عاملة بالعالم، وبحلول عام 2026، سيكون متوسط عمر الهند 29 عاماً وهو الأقل في المتوسط العالمي حسب صندوق النقد الدولي.. هذا قد يؤدي إلى ما يعرف بالعائد الديموغرافي.
العائد الديمغرافي، كما حدده صندوق الأمم المتحدة للسكان، هو «إمكانات النمو الاقتصادي التي يمكن أن تنتج عن التحولات في الهيكل العمري للسكان، خاصة عندما تكون حصة السكان في سن العمل (15 إلى 64) أكبر من نسبة السكان خارج سن العمل (14 وأصغر و65 وما فوق)». بعبارة أخرى، زيادة في الإنتاجية الاقتصادية تحدث عندما يكون هناك عدد متزايد من العاملين بالنسبة لعدد المعالين.
فهل ستستثمر الهند هذه الحالة اقتصادياً؟ نظرياً، كلما زادت نسبة العاملين من إجمالي السكان كلما زادت الإنتاجية، لأن المزيد من الناس لديهم القدرة على أن يكونوا منتجين ويساهمون في نمو الاقتصاد. ولكن الهند تواجه تحديات في طريق النجاح لاستثمار تلك الحالة حسب تقرير الإيكونيميست.. على رأس هذه التحديات هو أن حوالي 90 % من الوظائف غير رسمية، مما يعني أن غالبية العاملين لا يحصلون على رواتب منتظمة. تقول البروفيسورة سونالد ديزي (مركز البحوث الاقتصادية، نيودلهي): إن العاملين بقطاع الأعمال غير الرسمية هم فعلاً ذوو كفاءة إنتاجية، لكن المشكلة أن وظائف هذا القطاع غير آمنة، فعندما تحصل أشياء مثل جائحة كورونا، سيجدون أنفسهم فجأة خارج القوة العاملة. لذا، تحاول الحكومة الهندية إنشاء نظام تقاعد وطني، ونظام تأمين صحي وهكذا، ولكن التأمينات الاجتماعية محدودة لدى العديد من هؤلاء العاملين.
هل فعلاً ستصبح الهند الصين التالية؟ هذا السؤال يطرحه الخبيران جوش فيلمان رئيس سابق لمكتب صندوق النقد الدولي بالهند وأرفيند سوبرامانيان كبير المستشارين الاقتصاديين السابق لحكومة مودي (مجلة فورين بوليسى)، ويجيبان: أنه من الناحية الاقتصادية، صحيح أن التجربة الصينية في الأعوام الأربعين الماضية كانت بمثابة نوع من المعجزة ومن غير المرجح أن تتكرر، ومع ذلك هناك حجة لصالح الهند لأنها لم تعد العملاق المقيد اقتصادياً كما كانت ذات يوم. على مدى ربع القرن الماضي، تعرقلت عملية التنمية في الهند بسبب بنيتها التحتية، التي كانت غير كافية لتلبية احتياجات التصنيع في البلاد، وغير كافية بشكل واضح للشركات الأجنبية التي تعتبر الهند قاعدة تصدير. ولكن على مدى العقد الماضي، تغيرت بنيتها التحتية. فقد قامت حكومة مودي ببناء الطرق والموانئ والمطارات والسكك الحديدية والطاقة والاتصالات، بكميات جعلت من الصعب التعرف على البلاد عما كانت عليه قبل بضع سنوات فقط. على سبيل المثال، تم بناء حوالي 34000 ميل من الطرق السريعة الوطنية منذ وصول الحكومة الحالية إلى السلطة في عام 2014.
كما تغيرت البنية التحتية الرقمية في البلاد. لقد كانت هذه الخدمة ذات يوم صاخبة ومتخلفة من الناحية التكنولوجية، الآن متطورة، حيث يستخدم الهنود العاديون الهواتف الذكية لدفع ثمن حتى معاملات التسوق الأكثر روتينية. والأمر الأكثر أهمية هو أن الشبكة الرقمية تخدم الآن كل الهنود، مما يسمح للحكومة بتقديم برامج مثل التحويلات النقدية المباشرة للمحتاجين، في حين يستخدمها القطاع الخاص كمنصة لريادة الأعمال والابتكار.. ويستخلص الخبيران بأن المؤشرات لصالح صعود الهند الاقتصادي قوية، ولكن التحديات لا تزال تقف في الطريق.
في خاتمة كتابه، يقدم هيراباياشي نصائح حول أفضل السبل للتعامل مع الهند خلال صعودها إلى مكانة القوة العظمى بالقرن الحادي والعشرين، بدعوتهم إلى الانتباه إلى العناصر الستة: المنتَج، السعر، المكان، الشخص (الشريك)، الشغف، والصبر..