م. بدر بن ناصر الحمدان
بداية عملي في أمانة الرياض بعد تخرجي من الجامعة مباشرة أسند لي تخطيط حي سكني بإحدى المدن المتوسطة التابعة لمنطقة الرياض، كنت حينها في أوج تأثري بفكر أساتذتي وبنظريات تخطيط المجاورات السكنية ومبادئ فصل حركة المشاة عن المركبات والتوجه في تعزيز الفراغات العمرانية ومحاولة الخروج من التخطيط الشبكي السائد آنذاك.
عملت مع أحد الزملاء الرسامين المعماريين المخضرمين على هذا المخطط قرابة أربعة أشهر وفي كل مرة كان هذا الزميل يلمّح لي أن هذا الأسلوب لن يعتمد لأنه مخالف للتوجه السائد، وكان قلقاً من حداثة تجربتي، وجاملني حتى انتهينا من المخطط وتفاصيله وتم اعتماده من صاحب الصلاحية وإرساله للبلدية لتوزيعه على المواطنين ومنحهم رخص البناء.
أتذكر أن فريق البلدية واجه تحدياً كبيراً في تطبيق المخطط على الطبيعة وتحديد المناسيب والميزانية الشبكية كون محاور المخطط عضوية والكتل متضامة وليست منتظمة خاصة مع بقاء طبوغرافية الأرض كما هي وفق توجهات المخطط كأحد مبادئ تصريف المياه تلقائياً والمحافظة على الجبال والشعاب الصغيرة.
مع بدء السكان بالبناء وظهور ملامح الحي السكني بدأت بعض الاعتراضات من السكان على البلدية وكان مجملها أن هناك مساحات بيضاء كبيرة مهدرة وشوارع ملتوية وغير نافذة وحدائق غير منتظمة ومساجد متباعدة وبُعد القطع السكنية عن الشوارع الرئيسة، وأنهم تكبدوا خسائر في البناء واكتشفوا أنهم في حي (غير مفهوم)، حتى أن أحدهم كتب للبلدية أن هذا المخطط يصلح لسكن «الجن» وليس للإنس، وبناءً عليه تجاوبت البلدية معهم مع مرور الوقت وغيّرت الكثير من خطوط التنظيم.
هذا الحي اكتمل 100% الآن وظهر كحي مُشوّه بعد الكثير من عمليات التجميل لإرضاء رغبات السكان في ذلك الوقت، وفشلت محاولة التغيير، بالرغم من أنه كان يحمل نفس المبادئ التوجيهية في تخطيط المجاورات السكنية الحديثة حالياً في كثير من مشاريع القطاع الخاص والتي تظهر على أنها مجاورات سكنية مغلقة وآمنة وتعتمد على الإيفاء بنصيب الفرد من الخدمات والمرافق خاصة المناطق الخضراء وممرات المشاة والفراغات العمرانية.