د.عبدالله بن موسى الطاير
أحرق رجل أمريكي من فلوريدا نفسه أمام المحكمة التي تجري فيها محاكمة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب، وقالت الشرطة في استنتاجها المبدئي إنه ضحية لنظرية المؤامرة، وهي سائدة في أمريكا، إذا يعتقد أتباع ترمب أن دولة عميقة وقوى شريرة تحاول إسقاط مرشحهم.
أمريكا بلد مؤسسات، وديمقراطيته راسخة، وهذه الحقيقة لا تمنع من أن ترمب قد وضع الأمريكيين في مأزق. رشّح نفسه في اليوم التالي لإعلان نتائج الانتخابات النصفية عام 2022م، ليسجل سابقة بعامين قبل موعد الانتخابات الرئاسية. لتوقيته مبرراته، فهو يعرف أنه سيحاكم، ويعلم أن خصومه لن يتسامحوا معه، فأراد إحاطة نفسه بسياج حصانة شعبية، بحيث إن كل ما يجري له لاحقاً لإعلان ترشحه سيكون استهدافاً سياسياً أسوة بما يحدث في دول العالم الثالث. لديه أتباع متعصبون، يصدقونه، ويعتنقون نظريات المؤامرة. الخصومة الأيديولوجية بين الحزبين جعلته يسيطر على الحزب الجمهوري ويواجه به الديموقراطيين الذين اصطفوا من اليوم الأول خلف إعادة ترشيح الرئيس بايدن لولاية ثانية.
استفاد ترمب من جميع الفرص، وحوّل التحديات إلى فرص مواتية، وفي الوقت الذي يخجل فيه الناس من صورهم في التوقيف فقد حوّل صورته الشهيرة في أحد سجون ولاية جورجيا إلى أيقونة انتخابية زادت أتباعه تعلقاً به. وعلى الرغم من أنه يقيد نفسه في صفحات التاريخ كأول رئيس أمريكي سابق يحاكم بتهمة جنائية، لا يبدو أن ذلك يفت في عضده، وهو مواصل ومن بعده الطوفان. هذا تصوره وتصور أتباعه، ولديهم في ذلك منطقهم الذي تغذيه معتقداتهم بأن الحزب الديموقراطي وبخاصة اليسار المتطرف ينتهج سياسات تغيير الطبيعة الديموغرافية لأمريكا، على حساب البيض وعلى أنقاض القيم المسيحية، وأن المنقذ من العبث الليبرالي هو ترمب.
وعلى وحي محاكمته في نيويورك، لا توجد عقبات قانونية أمام الترشح للرئاسة كمجرم مدان أو حتى سجين. وإذا وجد ترامب نفسه في هذا المأزق، فسوف يسير على خطى مرشح شعبوي مثير هو الاشتراكي يوجين في. دبس، الذي حصل على ما يقرب من مليون صوت أثناء وجوده في السجن في انتخابات 1920م، لكن ترمب لا يريد هذه القدوة، فعينه وهو يخوض الانتخابات من السجن، ستكون على نيسلون مانديلا.
إذا خسر ترمب الانتخابات فهناك احتمال كبير أن ينتهي به المطاف في السجن، وقد يخسر كل ثروته، لذا فإن المخاطر التي يواجهها كبيرة، وهذا سيحفزه على بذل كل ما في وسعه لتحقيق الفوز، وسيستخدم جميع أوراقه. هناك من يقلل من الممكنات التي يمتلكها ترمب فيما لو خسر، فهو لم يعد رئيساً يستطيع تسخير سلطته في توجيه الجيش والشرطة أو الادعاء العام لخدمته، أو الحكم من خلال الأوامر التنفيذية. إنه ببساطة سيكون مواطناً خسر السباق وسوف تتعامل المؤسسات مع ردود أفعل أتباعه، وسيكون الجمهوريون سعداء بإزاحته عن المسرح السياسي، فيما عدا اليمين المتطرف.
الانتخابات الأمريكية الرئاسية مختلفة عنها في بلدان ديموقراطية غربية أخرى، وهي معقدة ويصعب الجزم بنتائجها بناءً على عدد المصوّتين الذين أدلوا بأصواتهم. في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، يمثل التصويت الشعبي ببساطة مجموع كل الناخبين من كافة الولايات الأمريكية، ويقال - منطقياً - إن المرشح الذي يحصل على أكبر عدد من الأصوات على مستوى البلاد هو الذي فاز بالتصويت الشعبي. المفاجأة أن الفائز في التصويت الشعبي قد ينتهي به الأمر إلى خسارة المنصب، كما حدث مع آل جور في عام 2000م حيث فاز بالتصويت الشعبي، ومع ذلك خسر البيت الأبيض لصالح الرئيس بوش الابن عن طريق ما يسمى بالمجاميع الانتخابية أو الناخبين الكبار. وفي الانتخابات الرئاسية لعام 2016، فازت هيلاري كلينتون بنسبة 48.2 % من الأصوات الشعبية مقارنة بـ46.1 % لترامب لكنها خسرت السلطة الرئاسية. لذلك فإن الجزم بفوز ترامب أو بايدن محفوف بالمغامرة، فلكل منهما حظوظه في ظل تعقيدات النظام الانتخابي الأمريكي، كما أن بعض الولايات لديها مرونة في توجيه الناخبين الكبار وفق ما تقرره.
مأزق العمر يشارك في تعميق مخاوف الأمريكيين، فالرئيس بايدن إذا أعيد انتخابه سيكون الأكبر في تاريخ أمريكا إذ سيكون قد مضى من عمره في يناير 2025م 83 عاماً، أما لو فاز الرئيس السابق ترمب فسيكون حينئذ 79 عاماً، وبالعودة لقائمة الرؤساء الأمريكيين السابقين فلم يبدأ رئيس أمريكي السلطة وهو أكبر من 69 عاماً.