خالد بن حمد المالك
على طريقة الخطأ المقبول، شرّع الثلاثي - أمريكا وإسرائيل وإيران- ما يُسمى بالعدوان المشروع، والاعتداء المبرر، ضمن قواعد الاشتباك بينهم، حيث لا ضرر يلحق بأيٍّ منهم، ولا تصعيد يجرهم إلى حرب حقيقية، والأهم أن يبقوا حبايب، مع إيهام الجميع عن وجود خلافات، ضمن لعبة تآمرهم على المنطقة بدولها وشعوبها.
* *
العقلاء لا يصدقون أبداً بوجود تباين في المصالح، أو تباعد في السياسات، وإن خرجت بعض التصرفات والسلوكيات خارج سياق التنسيق للتآمر على دول المنطقة، والدليل ما حدث من استهداف إيراني لإسرائيل، ورد إسرائيلي على إيران بالمثل.
* *
لقد تمّ تهويل الرد الإيراني، ومن بعده الانتقام الإسرائيلي، قبل أن يبدأ الهجوم والهجوم المضاد، واعتقدنا أن شيئاً كبيراً سيحدث، وسيجر المنطقة إلى حريق تصعب السيطرة عليه، فإذا بها مناورة عسكرية هنا وهناك، بلا إلحاق أيِّ ضررٍ بإسرائيل وإيران، وكانت أمريكا حاضرة على الخط، تُنسّق وتَتدخّل وتَنصح، بما يبقيها اللاعب الأول في المنطقة.
* *
مسرحية أولى ثم ثانية، ولم يكن هناك ما يستدعي لثالثة، فاللعبة كانت مكشوفة، والرغبة كانت قائمة لإبقاء العلاقة في وضعها الجيد تنسيقياً، حفاظاً على مصالح الأطراف الثلاثة على ما هي عليه، ودون القيام بأي تصرف أحمق يُلحق بها الضرر، وبالتالي تكون كل الأطراف في وضع يخل بالتنسيق والتفاهم على نحو ما هو قائم حالياً.
* *
صحيح أن أمريكا وإسرائيل لا تسمحان بالتفوّق الإيراني على حساب مصلحتيهما، ولهذا قتلوا قاسم سليماني، وخمسة من العلماء النوويين وفجّروا القنصلية الإيرانية وقتلوا في التفجير سبعة من قادة النخبة العسكريين الإيرانيين، وغيرهم كثير، لكن هناك ما يسمى بإرضاء إيران بإعطائها فرصة للرد في حدود المقبول، عن طريق الوكلاء في سوريا ولبنان والعراق وأخيراً من الحوثيين في اليمن.
* *
وبالتأكيد أن إيران هي أكثر المتأثرين بسبب حروبها بالوكالة، على أن إسرائيل لا تسمح لها بالتفوق أو تهديد أمنها، لكن دون أن يُعرّض العلاقات معها للفشل، وإن ظهر في وسائل الإعلام ما يشير إلى وجود خلافات مُزمنة بين الطرفين من خلال تصريحات المسؤولين في البلدين، غير أن هذه تأتي ضمن التمويه والتضليل عن حقيقة الواقع.
* *
والدليل لماذا تستمر إيران في بناء وتطوير ترسانتها النووية دون أن تتعرض لأي هجوم، مثلما حدث مع المفاعل النووي العراقي الذي تم قصفه وأصبح أثراً بعد عين إلى اليوم، وهو ما لم تفعله إسرائيل مع المفاعل الإيراني، مع أنه كان بإمكانها وفي فرصة مواتية أن تفعل ذلك في هجوم ما تسميه انتقامياً، وقد تم الاكتفاء بالهجوم كرسالة لإيران، بحسب تصريحات المسؤولين الإسرائيليين.
* *
ومن المعلوم في كل العلاقات الدولية الثنائية تكون هناك نقاط التقاء، وأخرى موضع خلاف في وُجهات النظر، لكن في العلاقات الإيرانية الإسرائيلية العلاقات يُلاحظ أن الأكثر اتفاقاً هو ما يسود هذه العلاقات، وأن القاسم المشترك فيها هو عداء وتآمر وأطماع طهران وتل أبيب معاً بمصالح الدول العربية في المنطقة.
* *
وللأسف أن أمريكا ليست بعيدة عن هذا التنسيق، وهي جزء مُنخرط فيه، وداعمة له، وتُطوّق أيَّ تصرف يُضعفه، فلها هي الأخرى أطماعها، وسياستها الاستعمارية، مع التأكيد على أن الأولوية في تأكيد مصالحها بالمنطقة لا يتحقق إلا بالتزام واشنطن بعلاقات مميزة مع إسرائيل قبل غيرها، مُتحملةً كل تصرف أرعن يصدر من إسرائيل من حين لآخر.
* *
لهذا يمكن القول إن الهجمات (السلمية) التي كانت بين إسرائيل وإيران أشبه ما تكون بمناورة عسكرية مشروعة لصرف الأنظار عن القضية الفلسطينية، وحرب الإبادة في غزة، وما يحدث في الضفة الغربية والقدس من جرائم، بما لا يمكن أن نبرئ إيران من الانغماس في هذه المؤامرة.