د. جمال الراوي
في عالم اليوم؛ يتحدّث كثيرون عن الذكاء الصناعي، يعزون للآلات والأدوات ذكاءً، وقدرة على التفكير، وأخذ القرارات، وإعطاء النتائج، وحسم المشاكل وحلها؛ تجدهم يريدون أن يريحوا عقولهم من التفكير، فلجؤوا إلى الآلة، وأعطوها الدور الكامل لتأخذ عنهم وظيفة التقصي والتحقق والتدقيق، ثم أراحوا أنفسهم، وذهبوا إلى بيوتهم، وتركوا الآلة تبحث عن حلولٍ للمشاكل التي كلفوها بها، جعلوا منها روحًا تتأمل وتتبصر!!... ثم عادوا إليها بعد فترة؛ فتحوا خزائنها، ثم أخرجوا منها محصّلة بحثها وتدبّرها فيما أرادوها منها!!.
في حرب غزة الحالية؛ أحدثت إسرائيل مركز مراقبة، ووضعت آلاف الكاميرات، تراقب كلّ أبنية وعمارات وبيوت غزّة، تحصي أعداد الداخلين والخارجين، وأعداد الرجال إلى النساء، تعمل ليل نهار، لا تدع بقعة إلا ووجهت لها كاميراتها، تدقّق فيما يحمله الداخلون من أدوات وحاجيّات وأغراض، وما يحمله الخارجون منها، ثم أوصلت هذه الكاميرات إلى كمبيوترات ذات دقّة عالية، تسجل البيانات، تحلّلها وتعطي المشرفين عليها حصيلة عملها، تخبرهم أنّ هذا البيت مشبوه!! وذاك يتردد عليه مخربون «كما تقول»!! وهذا مركز تخزين أسلحة!! وذاك مركز جمع معلومات... وغير ذلك!!... وجاءت الحرب؛ ففتح الإسرائيليون كمبيوتراتهم، ثم أوعزوا إلى الطيّارين ببدء عملهم، ثم بدأ القصف والتدمير؛ فإذا بمعظم النتائج التي أعطاها الذكاء الصناعي لهذه الكمبيوترات غير صحيحة!!... قد لا يهم الإسرائيليون أن تكون نتائج كمبيوتراتهم صحيحة أو لا؛ فهم معنيّون بالتدمير فحسب، ولكنّ هذا يثبت أن الذكاء الصناعي كان مجرد وهم وافتراء وتلفيق!!.
في أحد المطارات؛ وضعوا مئات الكمبيوترات، تراقب المسافرين الوافدين والمغادرين، تتصل بكمبيوترات، مخزن فيها مئات الآلاف من الصور والأشكال عن مجرمين ولصوص ومطلوبين، ووضعوا إحداثيات عن تصرّفات المشبوهين، وطريقة مشيتهم، وسيماء وجوههم، وأطوال أنوفهم، وقصّات شعورهم، والكيفية التي يتلفتّون بها، وحركة أيديهم، وتقطيبة وجوههم؛ ثم تركوا المجال للكمبيوترات حتى تفعّل ذكاءها الصناعي لترشدهم إلى المجرمين، وإلى حاملي المخدّرات، وإلى المزوّرين وغيرهم من الجناة... وبدأت الكمبيوترات تعطي نتائجها الكارثيّة، تفعّل إنذاراتها؛ فيذهب المراقبون والشرطة للقبض على رجلٍ مشبوه، قالت لهم الكمبيوترات إنّ شكله مريب، وتصرّفاته شاذة، وحركاته فيها وجلٌ وخوف!!... فأمسكوا به؛ ثم أخذوه إلى غرفة التحقيق، جردوه من ملابسه، فتّشوه، ثم أخضعوه إلى تحقيقٍ دقيق؛ ليكتشفوا -بعد مدّة طويلة- بأنّ المسكين بريءٌ، ليس له أي سوابق في الإجرام، وأنّه كان قلقاً بسبب تأخرّ رحلة الطيران، وأنّ الكاميرات أخطأت التقدير، واتهمته واشتبهت به، رغم أن سيرته نظيفة، وليس لديه أي سوابق!!.
منذ أربعة عشر قرناً من الزمان، نزل القرآن الكريم ليعيد الاعتبار إلى العقل الإنساني؛ فوضع قواعد ثابتة لا تتغير مهما تقدم علم الإنسان، وزادت مداركه؛ فشهادة الإنسان في المحاكم والقضايا ذات اعتبار كبير، لا يجوز بأي حال استبدالها بأي قرينة، سواء كانت تسجيلاً صوتياً، أو صورة أو فيديو، مهما كانت الدقة في ذلك، بينما نرى الناس -في عالم اليوم- يريدون أن يلغوا دور العقل الإنساني؛ فخزّنوا معلومات هائلة في الآلات ثم طلبوا منها زوراً وبهتاناً- أن تفكر وتتأمّل وتتبصر... إنها الخديعة الكبرى، التي سوف يكتشف الناس أنها سوف تؤدي إلى كوارث ومصائب لا حصر لها، وسوف تكثر وتزداد!!.
أحدهم وضع برنامج تجسس في جوال زوجته، كان يشك في خيانتها، بينما كانت المسكينة طاهرة عفيفة، صابرة محتسبة؛ فقد كان زوجها من المصابين بمرض السكري، ولم تكن لديه القدرة على القيام بواجبه؛ فكانت تراوده نفسه أنها تخونه، تريد أن تأخذ متعتها من غيره، بعد أن عجز عن تلبيتها لها!! فلجأ إلى هذا البرنامج، حتى يراقبها ويتجسس عليها... كان البرنامج يسجل كل مكالماتها، ويعطي الزوج الإحداثيات كاملة، وهو في حالة من الترقب والتوجس، ما إن يرن جوالها، أو تقوم بإجراء مكالمة منه، حتى ينتفض من مقعده أو مجلسه، يصيخ أذنيه، وقد توسعت حدقتاه، وفغر فاه... ثم ينتظر حصيلة الذكاء الصناعي لهذا البرنامج، ماذا يقول له!!... وحدثت الكارثة؛ فقد انتهت العلاقة بالطلاق... لتمضي فترة، يكتشف معها الزوج أن زوجته بريئة، وأن الذكاء الصناعي لبرنامج التجسس كان أكذوبة!!.