فضل بن سعد البوعينين
يعد قطاع التأمين من القطاعات المالية المعزّزة للاقتصاد والمحققة للاستقرار المالي وحماية الأفراد والشركات.
وللتأمين أهمية قصوى في قطاع المال والأعمال، لدوره الفاعل في توفير التغطية المالية ضد المخاطر، وتقليل الأضرار والخسائر المادية وتوزيعها، وبما يجنب الأفراد، والشركات، والدول الخسائر المالية.
وفي قطاع الثقافة والفنون الجميلة، تبرز أهمية التأمين كمظلة حامية لملاك الأصول الفنية، من خلال توفيره تغطيات مجزية ضد السرقة والتلف والحريق في حالتي الاقتناء، أو العرض، أو حين نقلها من أجل عرضها في المعارض أو المحافل الدولية.
وعلى الرغم من أهمية قطاع التأمين، ودوره الفاعل في الاقتصاد، إلا أن منتجاته لم تبلغ مرحلة الشمولية والكفاية في السوق المحلية، فعلى سبيل المثال لا الحصر، لم يستفد قطاع الثقافة والفنون من خدمات التأمين، وكان بعيداً عن توفير منتجات تأمينية متوافقة مع متطلباته، وهو القطاع الأكثر أهمية للمجتمع وتنميته، ولتعزيز العلاقات الدولية كونه من أدوات القوى الناعمة المؤثّرة إيجاباً في تمازج الشعوب وتعزيز العلاقات الدبلوماسية.
ومع تصاعد الاهتمام بقطاع الثقافة في السعودية، والحرص على اقتناء الأعمال الفنية، والتوسع في إنشاء المتاحف، وتأهيل المباني التاريخية، برزت أهمية التأمين على الأصول الفنية وبما يوفر الحماية ويحد من المخاطر والخسائر المالية المؤثّرة.
الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان، وزير الثقافة، أعلن عن مشروع جديد يُمكّن ملّاك الأعمال الفنية والمباني التاريخية في السعودية من التأمين عليها. مشروع مهم، وخطوة متقدمة لحماية الأصول الثقافية، وتنويع منتجات قطاع التأمين، وتعزيز دوره في السوق المحلية، وتحفيز الأفراد والمؤسسات على الاستثمار في الأصول الفنية، والمعارض وخلق سوق رائجة لها.
توفير منتجات تأمينية للأصول الفنية من أهم أدوات دعم القطاع وحمايته وتحقيق الاستدامة له، وتحفيز المهتمين لاقتناء الأعمال الفنية، وتطوير السوق المحلية، اعتماداً على استكمال متطلباتها، كتوفير التغطيات التأمينية، وفحص الأعمال وتثمينها وفرض معايير الحماية لها، في حالات التخزين، العرض، أو النقل، وبما يتوافق مع متطلبات التأمين العالمية. فالتأمين عملية متداخلة وذات فوائد مشتركة تنعكس إيجاباً على الاقتصاد الكلي، والمستثمرين، وشركات التأمين، والمهتمين بالفنون الذين ستتوفر لهم صالات عرض ذات جودة عالية ومحققة في الوقت عينه لمتطلبات الأمن والسلامة، إضافة إلى ما سيتحقق لهم من حماية مستدامة للمباني والمواقع التاريخية والأثرية وفق المعايير الدولية.
يغلب على شركات التأمين الحس الأمني الضامن لسلامة الأعمال الفنية وحمايتها من المخاطر المختلفة، تحقيقاً لهدفها الأسمى وهو الكسب المالي، ما يجعلها أكثر حرصاً على وضع معايير الأمن والسلامة، والالتزام بها لاكتساب أهلية التعويض في حال تعرض الأعمال الفنية للمخاطر.
دخول شركات التأمين في قطاع جديد يفرض عليها فهم القطاع، وخلق منظومة معرفية شاملة تعينها على قياس حجم المخاطر، والعوائد المالية المتوقعة، ما ينعكس إيجاباً على شركات التأمين من جهة، وعلى قطاع الثقافة عموماً، المستفيد الأكبر من الشراكة الجديدة، من جهة أخرى. يمكن أن تكون شركات التأمين، بما تمتلكه من خبراء متخصصين، جهة فحص وتقييم للأعمال الفنية، ما يحمي السوق من الأعمال الفنية المزورة، أو المسروقة، وتضخيم الأسعار.
من المتوقع أن تعمل شركات التأمين مع المثمنين الفنيين والقيمين والخبراء في مجال الفنون لتقييم الأعمال الفنية بموثوقية وعدالة، ما ينعكس على تحديد التغطية التأمينية العادلة وما يقابلها من متطلبات الحماية.
لن يتوقف دور شركات التأمين عند ذلك، بل ستتجاوزها لتقديم الاستشارات الأمنية والنصائح ذات العلاقة بعرض أو نقل الأعمال الفنية وتخزينها وحمايتها وإدارة المخاطر، وبما يسهم في حماية الأصول الفنية، وحماية ملاكها من المخاطر، والمحافظة على الأصول والكنوز الوطنية الثمينة. طبيعة سوق الأعمال الفنية المعقدة تزيد من أهمية دخول شركات التأمين لكشف دهاليزها، وضبط تعاملاتها، وتقييم أصولها، كجهة مستقلة ذات موثوقية وخبرات عميقة، ما يزيد من كفاءة السوق ونزاهتها.
إطلاق مشروع التأمين على الأعمال الفنية والمباني التاريخية مرحلة مهمة من مراحل بناء منظومة السوق الفنية والبيئة الحاضنة لها، غير أن من المهم فتح الباب أمام شركات التأمين العالمية الأكثر معرفة بتأمين الفنون الجميلة، والقادرة على نقل المعرفة للشركات المحلية، وتطوير منظومة متكاملة من منتجات التأمين الخاصة بالأعمال الفنية. الملاءة المالية، والخبرات المتراكمة، والتنوع في منتجات التأمين ومنهجية التقييم بالأسعار الثابتة أم الأسعار السوقية، وحدود التغطية وغيرها، من متطلبات الكفاءة المنشودة في شركات التأمين.
كما أنه من المهم إيجاد مستشارين متخصصين في التأمين الفني لإرشاد ملاك الأعمال الفنية، ومساعدتهم في فهم تفاصيل التأمين المعقدة التي قد يتسبب الجهل فيها بخسائر فادحة لملاك الأعمال الفنية.