أثناء لقاء مع سعادة الدكتور عبدالعزيز السبيل الأمين العام لجائزة الملك فيصل العالمية حول الجائزة ومواكبتها لرؤية المملكة 2030، حيث اتجهت نحو العالمية، وأن يكون للمملكة بمؤسساتها الخيرية والعلمية كما الاقتصادية والسياسية حضور فاعل في جميع دول العالم وعلى أعلى المستويات، ومع أن جائزة الملك فيصل منذ أنشئت عام 1977 وهي في تقدم، إلا أنها قد حققت خلال السنوات القليلة الماضية حضوراً عالميا واكب رؤيتها الواعدة 2030، مما أبهر الباحثين والمؤسسات العلمية، ومن ذلك الحضور والتوسع والتنوع أن كان الفائز بالجائزة فرع اللغة العربية باحث غير عربي، والفائز بالجائزة فرع الدراسات الإسلامية باحث غير مسلم.
والفائز بجائزة الملك فيصل لهذا العام 2024م، فرع الدراسات الإسلامية هو الأستاذ وائل حلاق، الذي ولد عام 1955م في مدينة الناصرة بفلسطين، ونشأ وترعرع في بيئة عربية مسيحية كاثوليكية، وتلقى تعليمه الأوَّلي في مدارس النَّاصرة ثم حصل على درجة البكالوريوس من جامعة حيفا، عام 1978م في العلوم السياسية وتاريخ الشرق الأوسط، وانتقل بعدها لأمريكا لدراسة الماجستير والدكتوراه في جامعة واشنطن، في الفقه والقانون الإسلامي.
كان لدى حلاق محطتان أكاديميتان في أعرق الجامعات الكندية والأمريكية، فقد عُيّن وعمل قرابة ربع قرن بمعهد الدراسات الإسلامية في الفقه الإسلامي وأصوله بجامعة مكجيل بكندا حتى نال مرتبة أستاذ كرسي جامعة مكجيل، وهي أعلى مرتبة علمية تمنحها الجامعات الكندية. ثم انتقل حلاق إلى المحطة الثانية وهي جامعة كولومبيا في أمريكا ليكون أستاذ مؤسسة أفالون في العلوم الإنسانية حيث يقوم بتدريس الأخلاق والقانون والتاريخ الفكري والفكر السياسي والأنظمة منذ 2009م.
كتب حلاق أكثر من ثمانين مقالاً والعديد من الكتب المؤثرة، تناولت المنطق والتاريخ القانوني والدولة الحديثة والفلسفة الأخلاقية، ضمن مشروع شامل يهتم بنقد الحداثة. ويتجلى هذا النقد بشكل خاص في كتبه الثلاثة الأخيرة:
الدولة المستحيلة (2013)، وإعادة صياغة الاستشراق: نقد المعرفة الحديثة (2018)، وإصلاح الحداثة (2019).
قدَّم حلاق قبل ذلك العديد من المؤلفات في مسيرته الأكاديمية، وأهمها حسب تسلسلها في التأليف ما يلي:
- نقض الإمام ابن تيمية للمنطق الإغريقي، (1993)، وتاريخ النظريات الفقهية: مدخل إلى أصول الفقه السني، (1997)، وسلطة الشريعة الإسلامية بين التغيُّر والاستمرار، (2001)، نشأة الفقه الإسلامي وتطوره، (2005). ونشر الكتب الثلاثة الأخيرة بالعربية وراجعها فهد الحمودي (2007).
تخرج على يدي وائل حلاق العشرات من طلاب (الماجستير والدكتوراه)، ومن خلال دراستي تلميذاً للأستاذ حلاق لحظت اهتمامه الدقيق بأن يسلك الطالب منذ البدء في البحث منهجاً بحثياً صحيحاً، حتى إنه قد يطلب من طلابه إعادة كتابة الصفحة خمس مرات. ومنها أن حلاق يحب الرياضة ولديه حزام بني في الكاراتيه وانعكست مهاراته في كتاباته وتعليمه، فطالما يعيد لطلابه بعض الكتابات موجهاً الطالب بأن يفكِّر في الرد الذي قد يتلقاه على كتابته ويعد الإجابة على احتمالات الردود. ومنها أيضاً اهتمامه بزراعة الزهور واعتناؤه بها، وكأني به يرعى منتجاته العلمية كما يرعى النبتة البهية، فأجده يكتب مقالات عدة على نفس المنوال ومن ثم يجمعها في كتاب منتظمة. وخاتمة الملاحظات أن الأستاذ حلاق تأثر كثيراً بإدوارد سعيد وبكتابه الاستشراق، الذي قوَّض فيه الاستشراق من جذوره. إلا أن ذلك التأثر بإدوارد سعيد لم يمنعه من نقده في كتاب استغرقت كتابته ما يزيد على السنوات الخمس بعنوان «إعادة صياغة الاستشراق». وكان حلاق يؤكد على دارسي القانون بأنهم يجب أن يدرسوا الفلسفة قبل وأثناء وبعد دراستهم للقانون.
حازت أعمال البروفيسور حلاق على العديد من الجوائز ونوقشت على نطاق واسع، حيث خصصت العديد من الكتب والرسائل العلمية والمقالات لدراسة وتحليل كتاباته. ويتجه الأستاذ حلاق في الآونة الأخيرة إلى الاهتمام بتوسيع دائرة التواصل من خلال الظهور الإعلامي في عدد من القنوات الإعلامية التي لاقت صدى واسعا ومشاهدات عالية، كان آخرها مقابلته مع القناة الثقافية. وأبدى الأستاذ حلاق إعجابه المطلق بالمستوى الثقافي العالي لمن التقى بهم من المثقفين والمثقفات السعوديين أثناء زيارته للسعودية، حيث كان حضوره الأول للقاء ثقافي بضيافة سمو أمير منطقة عسير الأمير تركي بن طلال، ثم في الرياض لإلقاء محاضرات ولقاءات ثقافية. كما عبر عن تفاؤله وسعادته بأن تكون السعودية رائدة وقائدة للمنطقة العربية، ودولة ذات تأثير عالمي على سائر المستويات الثقافية والاقتصادية والسياسية على مستوى العالم.
** **
- د. فهد الحمودي