د. منصور الجريشي
إن قليلًا من العاملين لا يسلم من الناس وشرهم، فهناك عينات من البشر لا ترتاح ضمائرهم ولا تهدأ أنفسهم؛ حتى يُشعل النار بين الناس، أو يشغل غيره؛ ليرتاح هو؛ ويغني ويطرب على ضر من أراد ضره، غير مكترث بالعواقب الوخيمة الناتجة عن فعلته التي فعلها بسبب وشايته وإفساد العلاقات الطيبة بين الناس.
والشيء بالشيء يذكر؛ فقد ساءني ما ذكره لي أحد العاملين بإحدى المؤسسات قائلًا: إنه يعمل طيلة يومه بجد، وإخلاص، وتفانٍ يأتي باكرًا فهو أول الحضور بهذه المؤسسة ويخرج آخرهم، بعد أن يطمئن أن الأهداف اليومية التي وضعها لنفسه قد تحققت وبأعلى المعايير المطلوبة، واضعًا لنفسه هدفًا بعيد المدى، وهو أن يصبح أحد رجالات هذه المؤسسة أو مديرًا لإحدى قطاعاتها لتتمدد هذه الخبرات وتزدهر، وليحتك بخبرات أخرى التي في ضوئها تنمو خبراته، وتصقل. فهذا الإنسان عندما رأى أنه كفؤ لنيل منصب بهذه المؤسسة بعث طلبًا لمدير المؤسسة -صاحب الصلاحيات- لمنحه الثقة لكي يترقى إلى مكان آخر يتوافق مع خبراته، وإنجازاته، ولكن للأسف ينتهي الطلب بعدم الترشح لأي منصب ولا يظهر اسمه مع المرشحين التي تعلنها مؤسسته كل عام.
وبقي هذا الموظف على هذا الحال سنوات طوالا، وهو لم يدر في خلده أن هناك من يتقصده بعدم ترشيحه لهذا المنصب ولم يعلم عنه إلا بعد سنوات عدَّة. وعند حصول بعض الإشكالات؛ توجه الموظف للمدير العام لهذه المؤسسة وعندها تكشفت بعض الأمور التي لم تكن بالحسبان، حيث ذكر له بأن ملفه سنويًّا يُعرض على اللجنة المسؤولة عن الترشيح ويرفض أحد أعضاء اللجنة عدم صلاحيته لهذا المنصب دون مبرر يُذكر، مع أن هذا الموظف كل عام يحصل على تقدير ممتاز في أدائه وثناء من رئيسه المباشر، وشهادات شكر يزخر به ملفه، ويشهد بها جميع العاملين بهذه المؤسسة، وعند مناقشة هذا الموظف لمديره -رئيس اللجنة- اتضح بأنه لا يعلم عن سبب الاستبعاد، ولم يناقش العضو حول ذلك، ولم يتحر مصداقية هذا العضو؛ بل اكتفى بما قاله، نتج عنها استبعاد الموظف الطموح، وقد وقع هذا الخبر على الموظف كصاعقة وانكسر خاطره، واختفى حماسه وانطفأ. ومن منطلق هذه القصة لا نجد بدًّا من أن يتقيد القائمون على شؤون الموظفين في بعض المؤسسات بالمعايير الصارمة التي وضعتها الهيئات ذات الصلة وألا تحيد عنها اللجان المسؤولة عن الترشيحات، ولا تسمح المؤسسات بالإحادة عنها أبدًا، ويحاسب من يتجاوزها؛ أو يقصر في تنفيذها حتى يتم غلق الباب أمام الاجتهادات الشخصية والأهواء التي ربما تقصي شخصًا هو الأجدر بهذه المنصب، وتُحرم المؤسسة من خبرات موظف ربما يسهم في تطور هذه المؤسسة إلى أعلى المستويات، وينعكس أثرها على جميع موظفي المؤسسة، والمستفيدين منها، كما ينبغي لمديري أي مؤسسة أن يكون لهم دور محوري بأن يقفلوا باب الآراء، ويحثوا لجانهم على مراقبة الله، والبعد عن الشخصنة بسبب موقف عابر قد حصل مع أحد الموظفين، أو مشكلة قد حصلت خارج أروقة المؤسسة، أوعدم هضم شخصية ما لأي سبب كان. فهذه التصرفات مدعاة للغبن والجرح الذي لا يندمل، فاستبعاد الخبرات المحبة لعملها ولوطنها وقيادتها، نوع من أنواع الفساد.
ومضة:
ابتعدوا عن شخصنة المواقف وضعوا مصلحة المؤسسة التي تمثلها فوق مصلحة الكل، ليزدهر الوطن فلا مكان للفاسدين بيننا، وقد وجه سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- بضرب هؤلاء الفاسدين بيد من حديد ليصبح مجتمعًا مثاليًّا طموحا مساهما في تنمية الوطن.