د. محمد بن أحمد غروي
على ما يبدو أن الحزب الشيوعي الفيتنامي ماضٍ في طريقة لاجتثاث الفساد الذي نخر في الدولة الفتية؛ بهدف تحسين صورتها عالمياً، والعمل على اجتذاب المستثمرين الأجانب، وإحداث نقلة اقتصادية فيها؛ لتصبح من كبرى اقتصادات المنطقة. الحملات المتعاقبة لمكافحة الفساد طالت كبار المسؤولين في الإدارة الفيتنامية، وتساقط الفاسدون واحداً تلو الآخر، فالحكومة الحالية تؤكد أن أكبر خطر على بلادها هو الفساد وأهله فبدأت بشن حرب ضد الفساد بشكل متسارع وبطريقة أكثر كفاءة. في ديسمبر من عام 2019 سُجن وزير الحكومة الفيتنامية السابق ونائبه مدى الحياة في قضية فساد قيل إنها كلفت الدولة ميزانية تصل إلى 3 ملايين دولار. كما أُدين وزير الاتصالات السابق سون باك- نجوين ونائبه في قبول رِشى، بالإضافة إلى الحكم على رئيس شركة النفط الحكومية السابق بالسجن مدى الحياة منذ ثلاثة أعوام. وفي العام الماضي صُدمِت الأوساط السياسية باستقالة مفاجئة من الرئيس الفيتنامي، نوجوين تشوان فوك، والذي كان يشغل منصب رئيس الوزراء في البلاد خلال جائحة كورونا قبل أن يحصل على منصب الرئيس الشرفي في عام 2022. إلى جانب استقالة اثنين من نواب رئيس الوزراء الفيتنامي، على خلفية «المسؤولية السياسية» في فضيحتي فساد ضربتا هانوي في عام 2022، ارتبطت بمعدات وأدوات خاصة باختبارات فيروس كوفيد-19. ثم تم تعيين رئيس فيتنام الجديد، فو فان ثونج، بعد تنحي سلفه في يناير الماضي. قبل أيام حكمت محكمة فيتنامية على سيدة الأعمال الفيتنامية، ترونج مي لان، بالإعدام في أكبر قضايا الفساد التي شهدتها البلاد. والتي تعد من أقطاب الأعمال في البلاد، وترأست شركة العقارات «فان ثيناه فات» متهمة باستخدام شركات وهمية للحصول على 12.45 مليار دولار من أكبر بنوك البلاد، المبلغ الضخم يوازي أكثر من ثلاث في المائة من اقتصاد البلاد ويؤثر سلبياً على ثقة المستثمرين فيها. وأثبتت تقارير حديثة تقيس مدى التزام فيتنام في مكافحة الفساد، بحاجتها وأثبت إلى مزيد من التحسينات والاستكمالات للأطر القانونية بمكافحة الفساد التي تتخذها الحكومة بالإضافة للإجراءات والأفعال التي تمنع وتحارب الفساد. ونتيجة لهذه الجهود فقد أشار التقرير إلى أن واحداً من كل اثنين من المواطنين يرى هذه الإجراءات الجديدة فعالة في مواجهة الفساد بالإضافة إلى ارتفاع نسبة الأشخاص الذين يعتقدون بإمكانية تحقيقهم فارقاً في محاربة الفساإلى 71% وهي النسبة التي كانت في عام 2016 تشكل 55% فقط. الحملة التي أطلقتها هانوي العام الماضي، قد تكون الأوسع والأشمل، خاصة مع استقالة الرئيس، ومن الواضح أن هناك نتائج وآثاراً إيجابية على الاقتصاد، فتم تقليل النفقات غير الرسمية للأعمال، والتي كانت تهدر في الرشاوى وغيرها، إلى جانب تبسيط العمليات البيروقراطية في بعض قطاعات الأعمال، وتفكيك بعض مجموعات المصالح الراسخة لخلق بيئة أعمال أكثر عدالة.
الهدف المستقبلي هو بلورة حكومة فعّالة، وخلق مناخ أعمال أكثر شفافية وتحسيناً للمستثمرين الأجانب، كما أثبتت الدراسات أن النمو الاقتصادي القوي الذي حققته فيتنام، فضلاً عن حربها ضد الفساد، أكسبها اهتماماً دولياً. الخطوات التي اتخذتها الحكومة منذ ما يقرب من عقد عن تقدم فيتنام بحسب المؤشرات العالمية، والتي أسفرت عن نتائج ملموسة. ففي عام 2022، احتلت المرتبة الـ 77 من بين 180 دولة ومنطقة حول العالم في مؤشر مكافحة الفساد بتسجيلها 42 من أصل 100. وكان الناتج المحلي الإجمالي للبلاد في العام 409 مليار دولار أمريكي.