م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1 - حينما يبلغ نَفَسُك الحلقوم ويصبح بينك وبين الموت ذلك النفس الأخير، فما هي الأسئلة التي ستخطر على بالك، وما هو شريط الذكريات الذي سيمر أمام عينيك، وما هي الأماني والرغبات التي كان في إمكانك تحقيقها ولم تحققها، وما هو الشيء الوحيد الذي بقي وكنت تُمَنِّي النفس بتحقيقه قبل موتك ولم تحققه؟ أسئلة ربما سيسمح لنا القدر بأن نسألها أنفسنا قبل أن نلفظ أنفاسنا الأخيرة، وربما سيفاجئنا الموت بغتة فلا تكون هناك فسحة لتلك الأسئلة ناهيك عن محاولة إجابتها.
2 - وحتى لا أترك للاحتمالات فرصة أن تفرض رأيها وأنا ألفظ نفسي الأخير، سوف أحاول هنا أن أطرح تلك الأسئلة، أما إجاباتها فلكل شخص إجاباته الخاصة.. وبما أنني هنا أتخيل خيالاً هو أقرب للهذيان، فلنطرح الأسئلة بلا ترتيب أو تنسيق فقط لنطرح الأسئلة التي تخطر على البال (ونحن على البر) -كما يقول إخوتنا المصريون- أي بعيدون عن اللحظة الموعودة.. ومن تلك الأسئلة: هل كان عليّ أن أعيش حياتي كما يريدها الآخرون لا كما أريدها؟ هل كان من المهم تجميع وتكديس كل تلك المقتنيات والأشياء والأغراض التي جمعتها؟ هل كنت فعلاً في عقلي حينما وقعت ضحية أوهام أملاها عليّ أهلي وأصدقائي والمجتمع بعمومه واستسلمت لها رغم علمي بأنها أوهام؟ ألم يكن عليّ أن أعيش حياة حقة مليئة تسرني أنا لا تسر غيري؟ ألم يكن من العقل أن أكون نفسي فقط وليس شبيهاً بأشخاص يريدهم الناس؟ هل كان عليّ أن أخاف الموت وهو حق آت لا محالة؟ ما الذي سوف ألقاه بعد الموت، هل هو ما أخبرني به الوعاظ، أم أنني سوف أجد شيئاً آخر غيره؟ ماذا لو كانت حياتي كلها خاطئة؟! هل كنت أسير حياتي وفق دوافع نابعة من ذاتي أم دوافع موجهة من غيري؟ ما الذي كبته وقمعته من مشاعري وكنت غير مصيب في كبته وقمعه؟ أوه، لدي ألف سؤال أريد إجابته قبل أن أصل إلى لحظة الحقيقة المطلقة، ناهيك عن الأسئلة الشخصية التفصيلية وهي بالملايين وليس من المنطق أن أبحث عن إجاباتها!
3 - في لحظة غرغرة الموت تثور كل الأسئلة، وهذا يقلقني، لأني أحس أنني سوف أعرف الكثير من الإجابات لكل الأسئلة التي ستثور في بالي تلك اللحظة، أو لدي إحساس قوي أن كثيراً من الإجابات ستقول إنني كنت مخطئاً واهماً مخدوعاً، وإنني كنت ساذجاً منقاداً، ورغم أن الله تعالى قد كرمني بالعقل إلا أنني لم أستخدمه فصرت بذلك كبهيمة الأنعام تماماً، إذاً فما فائدة العقل والتعلم والتأهيل الذي مررت به؟! يا لها من خيبة أمل، وهل سيمهلني الوقت أن أصحح مساري وأعَدِّل من طريقتي؟ لكن ما هو المسار الصحيح وما هي الطريقة المناسبة؟ يا له من أمر محير، لم يبق في العمر مثل ما مضى.. بل إنني في الأميال وربما الأمتار الأخيرة من العمر وأنا أعيش ذلك الشك العظيم فيما عملت في دنياي وما صنعت في عمري، لا أدري هل أتحسر على عمر أمضيته بشكل خاطئ أم أقلق على مستقبل لا أدري ما هو مآلي فيه؟
4 - نتربى ونتعلم ونتثقف أن كل أمرئ مسؤول عن نفسه، ثم نكبر ونحن محاطون بالتعليمات والتوجيهات التي تأمرنا بالاتباع والاقتداء والالتزام بالأعراف والتقاليد وعادات الآباء والأجداد، وينهوننا عن مصادمة أسلوب حياة المجتمع الذي نعيش فيه.. وهنا نصبح أشخاصاً مسيرين لا مخيرين، ننقاد خلف الفكر الجمعي الذي يسير باتجاه قد لا يناسبنا لكننا نعسف أنفسنا عليه، ونمضي في حياتنا مُضِي الجاهل الذي ينعم بالشقاء من جهله!
5 - الخلاصة: فإن الغاية من محاولة استباق معرفة إجابات أسئلة لحظة النهاية، أسئلة النفس الأخير هي كيف يكون الإنسان مسؤولاً مسؤولية كاملة عن نفسه، وألا يكون ضحية للآخرين وللظروف والأوضاع بل هو الذي كان يتحكم بنفسه جسداً وعقلاً ومشاعرَ، نعم الجسد يعتمد على القدرة العضلية والعقل على التأهيل والمشاعر تنشأ بمؤثر خارجي، إلا أن تحكمنا في النتائج يبقى في يدنا مهما كان المؤثر الخارجي كبيراً.