مها محمد الشريف
عندما يظهر العنف على شكل عمل سياسي بمجموعة يدمر القدرة على ردة الفعل ويتجاوز النتائج الإيجابية، ولهذا فإن الأحزاب المتطرفة تمثل عاطفة عابرة ذات أشكال مختلفة ذعراً واضطراباً وتصبح تهديداً للاستقرار بالتمرد والعصيان وشعبيتها ترتفع في زمن الحروب والتوترات السياسية.
في هذه الفترة تحدث مظاهرات في ألمانيا مناهضة لليمين في كل أنحاء البلاد، كما حدث في العديد من دول أوروبا وكثيراً ما كان يزيد عدد المشاركين في هذه المظاهرات عن المتوقع. كما تظاهر في وقت سابق عشرات آلاف الأشخاص في العديد من المدن الألمانية للإعراب عن الاحتجاج على التطرف اليميني.
وتأتي هذه الاحتجاجات بعد أن كشفت منصة «كوريكتيف» الإعلامية أن العديد من مسؤولين كبار في حزب البديل التقوا في مدينة بوتسدام شرقي ألمانيا مع شخصيات يمينية متطرفة من بينها النمساوي مارتن سيلنر، الذي تزعم على مدار فترة طويلة حركة الهوية الاشتراكية الأوروبية المتطرفة التي تعارض بشدة هجرة المسلمين إلى أوروبا.
فاليمينيون المتشككون في الاتحاد الأوروبي ضاعفوا عدد مقاعدهم في البرلمان الأوروبي، وظن الألمان أن بلادهم باتت محصنة ضد القومية بعد أن تجرعت مرارة الماضي، لكنهم أخطأوا وخاصة بعد مشاهد الحشود في تجمع انتخابي لحزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف، لانتخابات مقاطعة ساكسونيا في باوتزن، ألمانيا.
بعدما كافحوا أهوال ماضيها النازي، من خلال التعليم وسن القوانين التي من شأنها كبح الاضطهاد، وقيل إن انتخابات قد أُجريت لحزب «البديل من أجل ألمانيا» كثاني أكبر حزب، وذلك وفقاً لاستطلاعات الرأي. ولكن استطلاعات الرأي المحلية تخفي انقساماً متجذراً، إذ يحظى بدعم غير متناسب وبخاصة في المقاطعات الشرقية في ألمانيا التي كانت شيوعية سابقاً والتي تعد أقل ازدهاراً اقتصادياً.
وما زال العالم الغربي يواجه الكثير من العقبات التي يصعب التغلب عليها أمام اليمين المتطرف الذي يعدّ مصطلحاً سياسياً يطلق على التيارات والأحزاب السياسية ضمن محيطها السياسي، ولا مجال هنا للدخول في نقاش حول تحليل تاريخي أو شرح مفصل، بخاصة في ما يتعلق بكيفية هذه التيارات، وبداية ثنائية «اليمين واليسار» المصطلحَين الأساسيين في فرنسا في القرن الثامن عشر.
وأضف إليهما التاريخ الاستعماري والعنصري، والعوائق التي تعترض العالم كلَّه، لا سيَّما أوروبا التي كانت تراقب الثورة الفرنسية عن قرب، وتتتبَّع مُستجدَّاتها على الأرض، فمهما تكن الطريقة التي تستخدمها الدساتير في إخفاء الصفات الفردية، تظهر مصطلحاتُ «اليمين» و»اليسار» على أنها مفاهيمٌ سياسية انتشرت في أرجاء العالم.
في مثل هذه الظروف وقعت في باريس، لكن الجدير بالقول إن معظم الكتابات السياسية تعايش الأفكار والآيديولوجيات التي تسود العصر، والتناقضات المتعددة، ففي فرنسا مثل هذا الحزب الجبهة الوطنية ذات الاتجاه المعادي للمهاجرين الذين يعانون فيه عدم المساواة العرقية والاجتماعية، وتفاقم ذلك خلال الأعوام الأخيرة بسبب صعود الأحزاب السياسية اليمينية المتطرفة.
كثيراً ما تعلمنا التجارب أن التغيير المفاجئ للقرارات، والاختيارات غير المتوقعة، أو تقلبات الرأي أو انتفاضة الإدارة البشرية إنما هي مواقف تضع العالم في حالة ارتباك، تنعكس سلباً على الأقليات الذين يعامَلون بشكل غير عادل من قِبل الشرطة والمجتمع؛ وهذا ما أجج الثورة الأخيرة بعد العنف الذي طال بعض المهاجرين.
ومن عادات المتطرف اليميني معاقبة كل من لا يدعم الثقافة العامة الفرنسية، اتجاه الأجانب والمتحدرين من الثقافات الإسلامية والشرق أوسطية.
فليس هناك اختلاف بين اليمين المتطرف في فرنسا أو السويد المهيمن على الانتخابات السويدية، وكثير من الدول الغربية وبخاصة بعدما أدلى الناخبون بأصواتهم في الانتخابات، حيث صعد اليمين المتطرف والتيارات المناهضة للهجرة، وحققت هذه الأحزاب المتطرف مكاسب كبيرة في الانتخابات السويدية الأخيرة، حيث يرجح أن يصبح ثاني أكبر حزب سياسي في البلاد بعد الحزب الديمقراطي الاجتماعي، كما أنه يعدّ الآن أكبر الأحزاب اليمينية.
ويبقى هذا التقسيم (اليمين واليسار) تراثاً خاصّاً بالثورة الفرنسية، أو من تراث المَجْمَع الدستوري الفرنسي، ويأخذ أشكالاً أخرى حسب الأزمنة، والنتيجة تكون تداخلاً في أي فعل سياسي أي دعم أو هدم لأركانه المتنوعة؛ فهذه الأحداث تحرك الحشود المتعصبة وتغير الوفاق الاجتماعي وله اعتبارات تقود إلى مجموعة من المشكلات المعقدة، فلربما من الممكن أن يتزايد الشعور بالإحباط والغضب والخوف عندما ارتفعت مستويات التأييد التي حظيت بها أحزاب أقصى اليمين وما تروّجه له من أفكار شعوبية متشددة، وتصعيداً للعنف.