د.محمد بن عبدالرحمن البشر
وصف الرئيس الأمريكي السابق ترامب محاكمته بأنها أشد من محاكمة الساحرات، ويواجه في الوقت الحاضر عدداً من التهم المدنية والجنائية، قد يصل عددها إلى أربع وثلاثين تهمة، وقد تؤدي بعضٌ منها عند الإدانه حكماً قد يزج به في السجن، وهذا أمر غير مسبوق في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية التي تعاقب على رئاستها عشرات الرؤساء، والحقيقة أن ترامب الذي ينتمي للحزب الجمهوري بعد أن كان ديمقراطياً في فترة سابقة، رئيساً غير تقليدي، فهو رجل أعمال لم يتقلد منصباً حكومياً قبل توليه الرئاسة، جرئ في قوله وبعض أفعاله، له إيجابيات كثيرة، وأخرى غير ذلك، طبقاً لتقدير من يريد الحكم عليه، كما كانت هناك ظواهر في طريقة حكمه منها كثرة عزل وزرائه ومعاونيه، وتعيين أفراد أسرته، ولم ينجح في الفوز بفترة رئاسية ثانية، حيث خسر أمام الرئيس الحالي بايدن، وصاحبت ذلك أحداث غير مسبوقة، مثل دخول المتظاهرين إلى الكونجرس.
وهو يدعي أن ما يواجهه من تهم ظلم سافر، وراءه مكائد سياسية، وشبّه محاكماته بمحاكمة الساحرات، وهي محاكمات كانت سائدة في الولايات المتحدة في القرن السابع عشر وما قبل، ومن أشهر تلك المحاكمات محاكمة ساحرات مدينة سالم المطلة على الساحل الشرقي في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد حوكمت فيها مائة وخمس وثمانون ساحرة، أعمارهن مابين خمس سنوات وثمانين سنة، وكانت الحجج واهية، والأدلة وهمية، وقد انتزع اعتراف بعضهن تحت التعذيب، وأخريات بشهادة شاهدين، والدليل الثالث المأخوذ به هو ما يعتري بعض المصابين من تخيلات واضطرابات، وقد كان مصيرهم القتل بطرق مروعة مثل السحق تحت الحجر، أو الشنق، أو الإغراق، ومع انتشار الادعاء بالتأثير السحري، أصبح الناس في هلع، وكثرت القصص، فهناك من يقول إنه رأى أطفالاً يطيرون، وآخرون يدعون أنهم رأوهم ينبحون مثل الكلاب، وهناك من يدعي أنه قد رأى أرواحاً شريرة تتعامل مع الساحرات، وأنهن يربطن عقداً وعهداً على الدم بالتعاون فيما بينهم وكان للسكان الأصليين النصيب الأكثر من هذه التهم، وهذا أمر طبيعي، لأن من ثقافتهم السائدة العلاج من المس، وقد كان لرجل الدين المسمى مارثر القدح المعلى في تجسيد هذا المفهوم سواء في الاتهام أو الأدلة أو العقاب.
والحقيقة أن الاعتقاد بالسحر والسحرة موجود منذ ما قبل التاريخ، وكان منتشراً في ثقافة الشعوب في مناطق مختلفة في العالم، لاسيما في الشرق الأوسط منبع الثقافة العالمية، وقد ذكر القرآن الكريم الذي هو كلام الله وحق لاريب فيه، آيات متعلقة بذلك، أما تفسيرها فقد اجتهد في تفسيره العلماء السابقون، ومازال يحتاج إلى أفكار جديدة في تفسير كنهه.