د. فهد بن عبدالله الخلف
هذا عنوان كتاب مهمّ للدكتور سعيد الغانمي صدر منه ألف نسخة عن دار الرافدين في طبعته الأولى في يناير 2022م، وقد لفت نظري ضبط صيغة الفعل المضارع بالسكون في الغلاف الخارجي والداخلي، ولا أعلم أهذا الضبط من عمل المؤلّف أم من عمل الناشر؟ وجزم الفعل المضارع (ينقطعْ) هنا خلاف الأولى، فالذي يظهر لي أنّ (لا) في هذا السياق نافية لا تعمل في المضارع شيئًا من الناحية الإعرابيّة فيبقى مرفوعًا (خيالٌ لا ينقطعُ)، وممّا يؤيّد هذا الرأي الترجمة الإنجليزيّة لعنوان الكتاب التي تبدأ بـ(prefix) خاصّة بالنفي وهي (un)(1)، هذه الترجمة الإنجليزيّة التي وُضِعَتْ في غلاف الكتاب الداخليّ Unceasing Imagination A Way to Read The Thousand and One Nights تؤيّد أنّ (لا) نافية من حيث النظرةُ الأولى.
فهل هناك وجه صحيح لجزم الفعل المضارع في هذا العنوان يمكن حمله على ما يناسب شيئًا من محتوى هذا الكتاب؟ للإجابة عن هذا ينبغي لنا القراءة في الفصل الأوّل من الكتاب، وهو: (ألف ليلة وليلة، وأعراف المعتمَد الأدبيّ) الذي ورد فيه قول المؤلّف: «يمكن وصف ألف ليلة وليلة بأنّها نتاج عدد لا يُحصَى من الرواة الذين فكّر كلّ واحد منهم بالتفوّق على سابقيه في رواية حكايات الكتاب»(2)، ويتميّز تعدّد التأليف بثلاثة أمور مهمّة هي: تعدد الأسلوب، وتعدّد اللهجات، وتعدّد الشخصيّات التي تفصح عن تنوّعها الفكريّ بعيدًا عن مركزية المؤلّف الواحد(3)، ويستنتج المؤلّف أنّه «إذا كان العمل يتجدّد بتجدّد الرواة بحيث لا توجد منه نسخة نهائيّة قابلة للتثبيت فمعنى هذا أنّ النصّ لا يمكنه التوصّل إلى نسخة معياريّة يتّفق عليها الرواة ويزعمون أنّها النسخة المثاليّة الخالصة للكتاب التي ينبغي للرواة القادمين المحافظة عليها»(4). يتّضح من النقول الثلاثة السابقة أنّ الخيال لم ينقطع عن تأليف حكايات ألف ليلة وليلة فكلّ راوٍ يضيف على ما قاله الرواة قبله محاولًا التفوّق عليهم وإضافة الجديد، وبالاستناد إلى هذا فجزم الفعل المضارع بـ(لا) الناهية في العنوان (خيالٌ لا ينقطعْ) له وجاهته، فكأنّ المؤلّف ينهى عن انقطاع الخيال الذي يُسهِم في إضافة حكايات جديدة، وتنوّع في الحكايات، ونموٍّ لها عبر الزمن، وهذا ما أنتج في الحكايات تعدّدًا أسلوبيًّا وتعدّدًا لهجيًّا وتنوّعًا فكريًّا بتعدّد المؤلّفين للحكايات، وغالبًا ما تحصل هذه العملية من النموّ في الحكايات على المستوى الشفهيّ، وليس المكتوب؛ لذا لا توجد نسخة معياريّة نهائيّة لهذا الكتاب الشعبيّ العابر للزمن وللقارات، فالزيادة في حكايات الكتاب عبر الزمن أمرٌ مستساغ؛ لذا ناسبه النهي؛ لكيلا تنقطع سلسلة الإضافة على محتوى حكايات كتاب ألف ليلة وليلة.
وفي الختام فهذه محاولة اجتهاديّة لتحليل دلالة العنوان (الدلالة الطلبيّة لـ(لا) الناهية مع الفعل المضارع المجزوم)؛ لتتناسب مع جزء من مضمون الكتاب الذي اختار مؤلّفُه أو ناشرُه جزمَ الفعل المضارع بـ(لا) الناهية في عنوانه، وقد يعترض معترضٌ على هذا التحليل بحجّة أنّ هذه ليست سكونًا مقصودة في آخر الفعل المضارع، وإنّما أُريد بها تجميل الخطّ وتزويقه، وقد يُجاب عن هذا بأنّ الملحوظ أنّ جميع حروف كلمات العنوان مضبوطة بالشكل الصحيح عدا الألف لم تُضبَط؛ لأنّها دائمًا ساكنة ممّا ينفي احتمال تجميل الخطّ، وأودُّ الإشارة أيضًا إلى أنّ هذا التحليل محض اجتهاد قد لا يكون مقصودًا من المؤلّف أو الناشر، وإنّما وجدتُ شاهدًا داخليًّا يعضده، واستأنستُ به.
**__**__**__**__**
الحواشي:
(1) انظر Longman Dictionary of Contemporary English, Pearson Education Limited, 2015, Root (UN)
(2) سعيد الغانمي، خيال لا ينقطعْ قراءة في ألف ليلة وليلة، دار الرافدين، بغداد، العراق، الطبعة الأولى، 2022م، ص23.
(3) انظر سعيد الغانمي، خيال لا ينقطعْ قراءة في ألف ليلة وليلة، ص23.
(4) سعيد الغانمي، خيال لا ينقطع قراءة في ألف ليلة وليلة، ص30.