خالد محمد الدوس
ولد العالم الاجتماعي والمفكر الشهير (كارل ماركس) عام 1818 في مدينة ترير الألمانية، وكان واحداً من سبعة إخوة, وكان أبوه محامياً ارتبط بعصر التنوير وكان متأثراً بمنهج المفكرين والفلاسفة.. كانط وفولتير, وكان لوالده تأثير واضح في شخصيته, حيث نشأه على الحرية وحب المعرفة وعندما أرسله إلى المدرسة الثانوية تلقى تعليمه على يد أساتذة ليبراليين, وكان موضع ثنائهم وتشجيعهم وكان متفوقاً في الرياضيات والدراسات اللاهوتية, وفي عام 1835 التحق بجامعة بون ودرس التاريخ واهتم بالإنسانيات, ثم انتقل إلى جامعة برلين عام 1836 ونال شهادة الدكتوراه في الفلسفة, وفي رحاب الجامعة الألمانية العريقة (جامعة برلين) التقى فيها بفلسفة هيجل وبدأ يقرأها ويلم بها, ثم عمل في الصحافة بتأثير من صديقه الحميم الصحافي أدولف ريتنبرج وكان من الهيجيلين الراديكاليين وسجن بسبب أفكاره وسحبت منه جنسيته بعد أن ساعدته الصحافة على التفتح على المجتمع ومشكلاته, وفي عام 1843 وبعد زواجه من الناقدة المسرحية جيني فون هاجر ألمانيا إلى فرنسا, وشارك في نشاطات السياسية وفي ثورة فرنسا عام 1848 بعد أن التقى بأبرز المفكرين وبالهيجليين الألمان والآراء الثورية والاشتراكية الفرنسية والاقتصاد السياسي الإنجليزي, عاش العالم الشهير كارل ماركس معظم حياته في أجواء يسيطر عليها الفقر والحرمان والاضطهاد نتيجة أفكاره الثورية التي كان يحملها والكتابات الاستفزازية الجريئة التي كان ينشرها في الصحف بين الحين والآخر. وكانت كتاباته تنصب بشكل واسع على الفلسفة والاقتصاد والسياسة والتاريخ ولم يفكر بنفسه كعالم اجتماع, ولكن كان عمله غنيا بالقضايا الاجتماعية حتى وصف بأنه واحد من أكثر المفكرين بعلم الاجتماع الأساسيين, وقد كان تأثيره كبيراً حتى إن الملايين من الناس استقبلوا نظرياته بحماس كبير. وتعد نظرية الصراع من أهم الاتجاهات النظرية انتشاراً بعد النظرية الوظيفية البنائية التي وضع أسسها الأب الروحي لها العالم كارل ماركس وحظت باهتمام علماء الاجتماع وتعتبر أفكار النظرية الصراعية معاكسة للنظرية البنائية الوظيفية ففي الوقت الذي تؤكد فيه النظرية البنائية الوظيفية على التوازن والانسجام والاستقرار والتساند بين أفراد المجتمع, نجد أن النظرية الصراعية تركز على التنافس والصراع بين مختلف الطبقات وفئات المجتمع فهذه النظرية الماركسية متأصلة في مؤلفات رائدها المفكر الاقتصاي والعالم الاجتماعي كارل ماركس، حيث أكد على أهمية الصراع على الموارد الاقتصادية, فالموارد الاقتصادية بالنسبة لماركس لا تشمل فقط الثروة، بل تشمل الوسائل التي يتم من خلالها تكوين الثروة, وهي ما يسميها بوسائل الإنتاج, ومن وجهة نظر ماركس تنقسم المجتمعات إلى طبقات غير متساوية طبقاً لمدى توصل الجماعات إلى وسائل الإنتاج, فالجماعة التي تسيطر على وسائل الإنتاج تلك الطبقة الحاكمة للمجتمع, وهي التي تشغل الجماعات الأخرى المرؤوسة في المجتمع وعليه يحدث الصراع بين الجماعات الحاكمة (البرجوازية) التي تملك وسائل الإنتاج وبين الجماعات المرؤوسة في المجتمع التي تسمى الطبقة (البروليتاريا) ومن ثم ينفجر على شكل ثورات تتغلب من خلالها الطبقات البروليتارية على الطبقة البرجوازية.
وعن مفهوم علم الاجتماع لم يتناول ماركس مفهوم علم الاجتماع وتسميته بصورة أخرى ولكن أسماه «بعلم المجتمع» الذي يجب أن يهتم بدراسة المشكلات الاجتماعية المتعددة وهذا ما ظهر بوضوح في تصوراته حول المادية الجدلية أو المادية التاريخية التي تركز على التناقض الذي يظهر بين قوى الإنتاج وعلاقاته, والذي يؤدي إلى تناقض بين الطبقات ووسائل الإنتاج (رأس المال، والتجهيزات, والأدوات) كجزء من قوى الإنتاج تتطور بتسارع أكبر مما هي الحال في علاقات الإنتاج, كما ركز الفكر الماركسي على دراسة النسق الفكري والأيديولوجي الذي شكل كل شيء في المجتمع سواء أكانت المصالح المادية أم اللامادية, كما أهتم بتحليل العلاقة بين الوجود الاجتماعي والوعي الاجتماعي ويرجع له الفضل في تأسيس نظريات محددة عن الصراع والتغير والتطور والتقدم الثوري وغير ذلك من القضايا المتعددة في دراساته وأبحاثه مثل الاغتراب والأيديولوجيا التي لا تزال تشغل العقول البشرية حتى وقتنا المعاصر. باعتباره وحسب إسهاماته العلمية بأنه أحد المهندسين المعماريين الرئيسين في علم الاجتماع الحديث مع العالم إميل دوركهايم والعالم ماكس فيبر.
وعن أهم مؤلفاته كتاب رأس المال وفيه يعمد إلى نقد نظريات الاقتصاد السياسي السائدة قبله وإلى دراسة النمط الرأسمالي في الإنتاج بشكل عميق بهدف اكتشاف القوانين الاقتصادية التي تحكم حركة المجتمع المعاصر. ومن مؤلفاته كتاب مساهمة في نقد الاقتصاد السياسي, وكتاب نظريات فائض القيمة وكتاب بؤس الفلسفة وكتاب بيان الحزب الشيوعي وكتاب الأيديولوجيا الألمانية.
توفي الفليسوف والمفكر وعالم الاجتماع كارل ماركس في 14 مارس 1883 بعد عدة أشهر من المرض وووري جثمانه بمقبرة هاي غيت في لندن. بعد أن ترك إسهامات علمية وأبحاث متنوعة أثرت مكتبة علم الاجتماع وبالتالي جعلته واحداً من أشهر العلماء الاجتماعيين في القرن 19.