د. جاسر الحربش
في سورة قريش ربط الخالق القدير إيلاف البشر المعيشي وصلاح أحوالهم بزوال الجوع والخوف. هذان الابتلاءان يشكلان السبب الأول والأهم للحروب الأهلية والفتن الداخلية.
ليس من المعروف عن طبائع الصحراء التاريخية الاستقرار المعيشي لأن الجوع والخوف ظاهرتان أزليتان في الصحراء تؤججان الصراع على الموارد الشحيحة. المحصلة تكون غياب الأمن والعدالة بسبب صعوبة الإخضاع لحكم جامع مانع للجوع والخوف.
أعتقد أن المملكة العربية السعودية في تاريخها الحديث هي الاستثناء الصحراوي الوحيد المستقر معيشياً المزدهر حضارياً المتآلف وطنياً الآمن داخل كامل حدوده. هذا الاستثناء يوجب التفكير العقلاني والشكر والدعاء لله أن يديم علينا النعم.
طموح المؤسس العبقري للمملكة العربية السعودية عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -طيب الله ثراه - أوجد الأسس الضرورية لسعودية اليوم المستقرة المزدهرة. الانفتاح العلمي على العالم والحكم المركزي الحازم والانتقال التوافقي الهادئ للحكم بين الأجيال من الأسرة الحاكمة أنتجت مكانة السعودية المتميزة في العالم.
مثل آلاف الشباب غيري درست المراحل الأولية والثانوية محلياً ثم ابتعثت للخارج على نفقة الدولة فأصبحت طبيباً استشارياً ممارساً لأكثر من نصف قرن. ها أنا ذا الآن كثمانيني متقاعد أستطيع تحكيم التفكير العقلاني والمقارنة العادلة بما كنا وكان العالم من حولنا عليه، وعن من استقرت الأحوال بهم ومن ساءت أحوالهم بسبب ما زايدوا به على غيرهم.
تأثرت ككثيرين غيري في مراحل الشباب بدغدغات المشاعر وإيحاءات الإعلام الثوري من الدول العربية المجاورة. كنت أتابع وأصدق الإعلام الهادر من العواصم العربية (المقيمة على الأنهار والثمار) باستعادة المجد العربي الغابر. كنت أنسى أو أتناسى أن أصحاب الأطراف العربية في فترات أمجادهم القديمة قست قلوبهم على أمهم الصحراء المركزية التاريخية (رسالة ولغة وتراثاً) فتركوها للجوع والعري والاقتتال على موارد الماء والكلأ الموسمية النادرة.
اللهم لا شماته وأسأل الله تعالى أن يردهم رداً جميلاً إلى التآلف في أوطانهم. كانوا وما زال بعضهم يستغفلون شعوبهم بترويج الإشاعات الكاذبة عن تخلف السعودية وجلافة أهلها بوصفهم بدواً رحلاً لا يعرفون التحضر والتطور. فضحتهم الحقائق والشواهد العمرانية وانتشار وسائل التواصل الإلكتروني عبر الحدود. الآن أصبحت حكوماتهم وعواصمهم توابع للصهيونية والفرس والترك والروم. صارت مقارنات التطور العلمي في الطب والمواصلات وتوفر الطاقة والماء النظيف وفي السيادة الوطنية والأمن الشامل لصالح تلك الصحراء التي هجروها ونسوها أيام ممالكهم المزدهرة.
ما حصل في المملكة الصحراوية من إنجازات ليس كما يخطئ الإعلام بتسميته التجربة السعودية، بل هو نتيجة علمية منطقية لتطبيق خطط تنموية حضارية متتالية أورثها المؤسس -رحمه الله - لأولاده وأحفاده من بعده.
الختام: إن الشعوب حين ترتاح معيشياً وأمنياً تتآلف وتعمل وتنتج وتبدع وتضيف للحضارة العالمية.