سلمان بن محمد العُمري
جرت العادة على ألسنة الناس أنهم (يحوقلون) عند وقوع المكاره أو عند سماعها أو معاينتها، وهذا مفهوم ضيق فجملة (لا حول ولا قوة إلا بالله) من الكلمات العظيمة التي وردت النصوص بفضلها وعظم شأنها، وقد تنوعت هذه النصوص في الدلالة على تشريف هذه الكلمة وتعظيمها، مما يدل بجلاء على عظم فضل هذه الكلمة ورفعة مكانتها، وأنها كلمة عظيمة ينبغي على كلِّ مسلم أن يعنى بها ويهتمّ بها غاية الاهتمام، وأن يكثر من قولها لعظم فضلها عند الله، وكثرة ثوابها عنده، ولما يترتب عليها من خيرات متنوعة وفضائل متعددة في الدنيا حيث أوصى فيها النبي -صلى الله عليه وسلم- لأبي موسى الأشعري -رضي الله عنه-: «ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة: لا حول ولا قوة إلا بالله» ووصف النبي -صلى الله عليه وسلم- بأنّها كنز لهو دليل على نفاستها؛ لأنّ الكنز لا يُدّخر به عادة إلّا كلّ غالٍ ونفيس، وكذلك الحوقلة ما هي إلّا كنز يدّخر به الله -تعالى- لصاحبها أنفس الأجور وأغلاها في الجنّة، وفي هذا الذكر حقيقة التوحيد والإقرار والاعتقاد بأن الله وحده المدبر بهذا الكون المتصرف بحكمته ومشيئته فلا يقع فيه شيء إلا بإذنه ومشيئته، مع الاستعانة بالله وحده على قضاء الأمور وتفريج الكرب، والتوكل على الله وتفويض الأمور إليه، وينسب لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى قوله (أكثر من لاحول ولا قوة إلا بالله فلها تأثير عجيب في معاناة الأشغال الصعبة وتحمل المشاق والدخول على الملوك وركوب الأهوال ودفع الفقر).
وقال بعض السلف من أكثر من قول: «لا حول ولا قوة إلا بالله» لن يُخيفه قادم الأيام، ولن تُحيّره الظنون، ولن يغلبه القلق وكثرة التفكير.
والحوقلة «لاحول ولا قوة إلا بالله» فيها فوائد وفضائل عظيمة، ومن فضلها أن من قالها حين يخرج من بيته مع البسملة والتوكل على الله أنه يوفى ويُكفى ويُهدى، فعن أنس بن مالك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا خرج من بيته فقال: بسم الله، توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، فيقال له حسبك قد كفيت وهديت ووفيت فيلقى الشيطان شيطاناً آخر فيقول له كيف لك برجل قد كفي وهدي ووقي.
وكم سمعنا من أخبار السلف ورواياتهم عن هذا الكنز العظيم، وكم فتح الله به المغاليق، ولكننا اليوم أمام قصة معاصرة وحديثه يرويها من عايش أحداثها بنفسه، يروي الصديق الدكتور عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ قصة وقعت له حينما كان مسؤولاً عن مكتب الخطوط السعودية بالطائف فيقول: كانت عندنا طائرة، تقلع الساعة الخامسة تقريباً، وبعد ما تحركت الطيارة، وأنا في مكتبي إذا بشخص يدخل علي، ويلقي السلام، فقلت عليكم السلام، ثم قال: أنا عند الله، ثم عندك، قلت أمرك يا والد (ويش تبي) فقال: (تكفى) ولدي صار له حادث، أريد الطيارة، فقلت الطائرة أقلعت وسوف أدبر لك مقعداً على رحلة 11 المساء، بشرط أن تتعشى معي في البيت فقال الرجل كلمته (لا حول ولا قوة إلا بالله)، ودخلت على أخي محمد الثمالي وأبلغته بظرف الرجل، وما هي إلا لحظات، فيرن الهاتف فإذا به محمد الثمالي، فقال أبوحسن، الطيارة رجعت، فقلت لماذا؟ قال: الكابتن يقول: عندي خلل فني، أنا لا أخفيك القول، ربطت بين هذا الرجل، وعندما قال لاحول ولا قوة إلا بالله.
فقلت خلاص، وقلت للرجل استرح، ولا يدري بما حدث؛ فأوصيت أحد الموظفين. وقلت صدروا له تذكرة على حسابي، فصدروا له تذكرة.
وأخذت سيارتي وعندما وقفت قدموا السلم، فطلعت إلى الكابتن، قلت يا كابتن؟ قال نعم، قلت ترى حصل كذا وكذا، فدعنا نأتي بالرجل، وأن شاء الله الطائرة ستشتغل. فقال: يا أخ عبدالرحمن أحضروه، أي والله أخذنا الرجل، وكانت طائرة ترايستار مليئة بالكامل ولا يوجد مقعد وزحمة شديدة جداً، ووالله إنه عندما أحضرنا الراكب وأقعدناه، وأنا الذي ربطت الحزام في كابينة القيادة مع الكابتن وفي الجانب الخلفي بالكابينة، دخل في الكابينة إلا والكابتن يقول: لا إله إلا الله، اشتغلت، هذه من المواقف حقيقة، والله ما أنساها عندما قال لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. يا أحبابي، لاحول ولا قوة إلا بالله.
نعم يا أحبابي الحوقلة كنز دنيوي وأخروي فمهما كان همك وغمك؟ يا أخي؟ لاحول ولا قوة إلا بالله، توحيد كلها، توحيد الحول والقوة بيده، إذا والله ما خفت، فأكثر من لا حول ولا قوة إلا بالله، فإنها من كنوز الجنة، وتفتح الغم والهم، ولا تدري لعلَّ الله يُحدِث بعد ذلك أمرًا». ففيها طمأنينة عجيبة، وكأنها تؤكد لك أنَّ الله قادر على قلب الموازين بأي شكل وفي لحظة وتذكَر دائمًا أنَّ الله على كل شيء قدير، ولا تأذن لنفسك أن تعيش خيبة البابِ المغلق والعثرة التي لا نهوض بعدها؛ ما دام يقينك بالله قوياً، ثق أن قدراً جميلاً في طريقه إليك وأنّ الله قادر على تغيير واقعك في لحظة، فلا تكن سبباً في تأخر الفرج بطول الجزع ولا تستبطئ الإجابة مع الدعاء.
{سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا}.
فهل يبقى في نفسك -أيها المكروب- شيء من الشك والتشاؤم بعد كل هذا؟!