خالد بن حمد المالك
يتحدثون عن التصعيد، وعن عدم توسيع القتال، لكنهم يهددون بالتدخل بأكثر مما يحدث الآن فيما لو مُسّ أمن إسرائيل، أو هُدّد استقرارها، وهم من يتجاهلون أسباب الصراع، ومصدر عدم الاستقرار، ودور إسرائيل الفاعل والأساسي فيه، بما أبقى المنطقة في حالة حرب، وعلى صفيح ساخن منذ احتلال إسرائيل لفلسطين عام 1948م مروراً باستيلائها على ما تبقى من أراضٍ فلسطينية في حرب عام 1967م، وليس هناك من دولة تقف على مسافة واحدة من الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي فأمريكا تحديداً تمدها بكل أنواع الأسلحة، وتقف إلى جانبها شريكاً إذا ما مُسّ أمنها، أو تعرضت لأي مقاومة فلسطينية مشروعة.
* *
نعم نحن ضد التصعيد، وضد توسيع الحرب، ومع إيجاد حلول عادلة ومُنصفة وعاجلة لأسباب التوتر في المنطقة الذي مضى عليه أكثر من 75 عاماً، ولكن كيف لحلٍّ يُولد في مناخ تدعم فيه أمريكا والغرب الاحتلال الإسرائيلي، وتساعدها على قتل الفلسطينيين، وتدمير منازلهم، والزج بالمقاومين لسياساتها في السجون، وتمنع عنهم الماء والدواء والغذاء، وتمارس معهم حرب إبادة، وفصلاً عنصرياً، وتمنعهم من التمتع بحقوقهم، مُعتمدة على إسناد وتعضيد أمريكا وأتباعها في هذا التوجه غير العادل، وفي هذه السياسة الظالمة.
* *
إسرائيل ترفض قرارات مجلس الأمن، ومحكمة العدل الدولية، وفي المقابل تمارس أمريكا استخدام حق النقض لكل قرار ينصف الفلسطينيين، ويمنع إسرائيل من التمادي في قتلهم، وحرمانهم من حقوقهم المشروعة، وهذا سبب التلويح من حين لآخر بتوسيع رقعة الحرب من غزة إلى مناطق أخرى مُرشحة كسوريا ولبنان وإيران والعراق، وربما غيرها، ما لم يتم تفعيل الطرح المتوازن لحل هذه المشكلة المبني على خيار الدولتين، وهو ما ترفضه إسرائيل، رغم الإجماع الدولي عليه.
* *
وإذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية تريد حلاً حقيقياً لهذه المشكلة التي تتفاقم، وتستمر، بين قبول فلسطيني بحل الدولتين، ورفض إسرائيلي لها، مع أن هذا الحل لا يلغي إسرائيل من الأراضي التي احتلتها عام 1948م، وإنما يُكرّس هذا الاحتلال، ويمنحه الضمانات الدولية، ولن يحصل الفلسطينيون إلا على دولة تقتصر فقط على الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967م وهو حل كان يرفضه الفلسطينيون وحتى العرب، لكنهم الآن يقبلون به في ظل التطورات والمستجدات، والرغبة في وضع حدّ لهذا الصراع الدامي.
* *
والمسؤولية في هذا تقع على أمريكا أولاً وأخيراً، لأن إسرائيل بدون دعم واشنطن ما كان لها أن ترفض هذا الخيار، وبدونها ما كان لها أن تكون بهذه القدرة على الصمود في مواجهة الفلسطينيين، غير أن لأمريكا حساباتها، ومصالحها، وسياساتها، وليس بعيداً أن يكون في توسيع القتال مصلحة لها، إذا أعدنا إلى الذاكرة طرحها لفكرة الشرق الأوسط الجديد، وهو ما يحققه التصعيد في الحرب، وانتشار الفوضى الخلاقة بحسب المصطلح الأمريكي المطروح أيضاً، أي أن المشكلة وحلّها أو إبقاءها على ما هي عليه إنما هو بيد الولايات المتحدة الأمريكية، وبإمكانها منع التصعيد، والتوجه نحو خيار الدولتين، وإلزام إسرائيل بهذا الخيار الذي يحقق الأمن والاستقرار لدول المنطقة، ويسمح بالتطبيع بين إسرائيل وجميع الدول العربية، ويحافظ على أمن إسرائيل، والدولة الفلسطينية المقترحة.
* *
وباختصار، فإن إنكار حقوق الفلسطينيين في دولة لهم على أراضيهم وعاصمتها القدس، لن يجلب الأمن لإسرائيل، وستظل تل أبيب دون هذا الحل حتى مع الضمانات الأمريكية مشكوكاً في استمرارها كدولة بالمنطقة دون ارتباك الأمن فيها، بل ولن يتمتع شعبها بالأمن والعيش بسلام، ما لم يسترد الشعب الفلسطيني حقوقه المسلوبة.