خالد بن حمد المالك
عندما يصدمك خبر وفاة من له مكانة في نفسك، لا تملك إلا أن تقول الله المستعان، مع ترديد كلمات الدعاء المناسبة في حق هذا الفقيد العزيز، وأنت في أجواء حزن، متأثراً من خبر صادم، رغم أننا نؤمن بالقضاء والقدر، وأن لكل منا موعداً مع هذا الزائر الذي نتهيّبه ونخاف منه، طالت بنا الحياة أو قصرت.
* *
مساء أمس، وعلى هذا النحو، فاجأني خبر وفاة أخي الصديق الأستاذ عبدالرحمن فيصل المعمر، وهو من ترافقنا سنوات في العمل معاً في صحيفة الجزيرة، هو رئيساً لتحرير صحيفة الجزيرة، وأنا محرراً صحفياً في بدء انخراطي بالعمل الصحفي، فعاملني معاملة كريمة، وحفّزني للانخراط بالعمل في كل أقسام الصحيفة، فكان هذا إيذاناًً للانتقال من العمل محرراً رياضياً لأ كون لاحقاً رئيساً للتحرير خلفاً لفقيدنا أبي بندر عبدالرحمن المعمر.
* *
يتميز عبدالرحمن المعمر، حين يكتب، مع أنه كاتب مقل، بأسلوبه الجميل، وعبارته المنتقاة، وتتزين مقالاته بقصص وأشعار مناسبة، وروايات تعطي للمقال قيمة أدبية، وتضع الموضوع في مكان يقدره القارئ، ويتبادل مع غيره الثناء أو الاعتراض عليه، ضمن الاهتمام الذي تلاقيه كتاباته.
* *
وعبدالرحمن المعمر في مواقفه صاحب مبدأ، والتزام أخلاقي، يتمسك بقناعاته، ويدافع عنها، ولا يستسلم لمن يعترض عليها، وحجته حاضرة، والدليل لا يعجزه، وهي في عمومها تصنف ضمن مواقف الكبار، فقد تمرّس في العمل الثقافي والإعلامي، وكسب من الخبرات والتجارب ما أبقى لوجهات نظره حقها من الاحترام، حتى لمن قد يعارضها، أولا يتفق مع بعضها.
* *
ومن بين ما يتميز به المعمر الأجواء الأنيسة في جلساته، فهو اجتماعي بطبعه، وصاحب مداعبات خفيفة ومريحة، ويروي من ذاكرته من المواقف النادرة ما يجعل الحضور يتفاعل معه ويشجعه لتقديم المزيد من النكات، والتجارب التي لا تخلو من إثارة مقبولة.
* *
في عملي معه، ثم بعد أن ترك رئاسة التحرير، وتوليت مسؤوليتها بعده، كانت أجواء العمل تحت قيادته تشوبها المفاجآت، فلا أحد يتوقع ما سيكون عليه الخبر الرئيسي في الصحيفة، من حيث صياغة العنوان والمادة والمصدر، ما جعل الصحيفة في الغالب تصدر كل أسبوع بشكل مختلف عن كل الصحف، لأن له رأيا يختلف فيه مع غيره، وهو بهذا لا يجامل ولا يساير غير الجزيرة من الصحف في تشابه أخبارها وسياساتها.
* *
وعبدالرحمن المعمر، رجل متسامح، وذو قلب أبيض، ويبادر بالسؤال عن زملائه، يزور مريضهم، ويواسي أسرة من يتوفى منهم، ويكتب عنهم، ويتصالح مع من كان قد اختلف معهم، وهذه بعض خصاله، مما لدي علم بها، وهناك من يعرف أكثر مما أعرفه عن فقيدنا.
* *
كان أبو بندر في كامل صحته وعنفوانه، غير أنه عندما فقد بصره، ولم يعد يرى حتى طريقه، وعندما أصبح يعتمد على من يقرأ له بعض ما ينشر في الصحف وما يصدر من كتب أثر ذلك على نفسيته وصحته، فكانت وفاته بعد معاناة من المرض.
* *
لا بد من القول: إننا فقدنا أخاً وصديقاً ومحباً لكثير من معارفه وزملائه وأصدقائه، فقد كان له صولات وجولات في الثقافة والإعلام مما ساعد على تنامي أعداد محبيه، ولكن هذه سنة الحياة، يموت الأخيار، فنحزن لغيابهم، ونتأثر لموتهم، ولا نقول إلا الحمد لله على ما أخذ، فإلى أسرة أبي بندر خالص العزاء والمواساة، وللفقيد الرحمة والغفران، وخالص الدعاء، {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.