د. محمد عبدالله الخازم
يأتي مدرب كرة القدم الأجنبي براتب عالٍ، بفضل سيرته ومنجزاته التدريبية في بيئته الأوروبية أو الأمريكية، نتوقع منه النتائج الكبرى في بيئة مختلفة ولاعبين يلعبون بطرق وثقافة مختلفة أو مستويات أدنى (مقارنة بالمستوى العالمي). مدرب المتتخب يختار من يراه الأفضل ويتعامل معهم باعتبارهم بلغوا النضج الكروي وما يحتاجونه هو الخطط (التكتيكية) المتقدمة. هكذا مدربي المنتخبات، ليست مهمتهم إعداد اللاعبين ولا صناعتهم.
هناك طريقتان لعمل المدرب، الأولى؛ أن يفرض عليهم (تكتيكاً) أو خطة يراها الأنجح وسبق أن فاز بها ويقع في مأزق أنهم لا يجيدون العمل بها أو هم ليسوا في مستوى تقبل أفكار وخطط متقدمة خلال وقت قصير، فيحصل الفشل أو يصعب تحقيق الطموحات العامة، مع عدم إنكار النجاح بالمصادفة أو عامل الصدمة لوقت قصير أو في مباراة شاردة عن الطبيعي في عالم الكرة. الطريقة الثانية، أن يكيف طرقه مع واقع وقدرات اللاعب المحلي وقد يصيبه بعض النجاح، أي أنه لا يقدم تلك الخطط المبهرة بقدر ما يركز على التعامل مع البيئة والمنظومة والإمكانات التي أمامه، وهذا سر نجاح بعض المدربين الأقل شهرة مع المنتخبات بما فيها منتخبنا..
نفس الفكرة مع مدرب النادي، لكن فرصه أفضل كونه يستقطب 73 % من الفريق من الخارج ويشارك محلياً في منافسة أطول زمنياً. يعتمد غالبيتهم على اللاعبين الأجانب فلا يصبح لديهم حافز كبير لصناعة لاعب محلي، كونه مجرد تكملة لا يصنع الفارق. هنا، القدرات المالية التي تمكن من استقطاب الأجانب الأفضل تلعب الدور الأكبر في النجاح.
هناك جانب آخر مهم في اللعبة؛ الأمور المساندة من إدارة محترفة وعادلة للعبة وكوادر طبية وتدريبية وملاعب وغيرها، غالباً ما تكون مختلفة عن بيئات المدرب. الناس لا ترى سوى اللاعب والحكم عليه وعلى المدرب وهذا الطبيعي في أغلب بيئات العمل، ففي المستشفى الطبيب هو البارز وليس الطواقم الفنية، في الجامعة أستاذ الجامعة وليس الإدارات المساندة وفي شركة البناء المهندس وليس عمال البناء وفي القضاء القاضي وليس المساعدين الإداريين، إلخ. الفرق المساندة ليست مسؤولية المدرب الأجنبي تطويرها وربما ليست قدراته فهو قائد مهني وليس إدارياً.
المؤسف عند المقارنة بالمدرب المحلي، الأجنبي نمنحه صلاحيات أوسع ونغض النظر عن بعض تجاوزاته، بينما المحلي يبقى في نظرنا تحت المجهر ومتعلماً، نقيم له المشانق في كل محاولة لم يكتب لها النجاح.
ما أخشاه؛ يوجد مشروع رياضي كبير، لكنه ليس واضحاً في مجال بناء القدرات البشرية المحلية في الرياضة. المدرب يبحث عن نتائج وإن خسر سيقبض مستحقاته ويغادر والإداري والمجتمع همهم المتعة والنتائج، وعليه يستمر التطور الرياضي صناعة محفوفة بالمخاطر تقوم على مبدأ التجريب واحتمالات الصح والخطأ في اختيار الأجنبي مدرباً ولاعباً ومؤخراً إدارياً. طبعاً، هناك من يرى بأن الرياضة صناعة ترفيه واقتصاد، يقاس نجاحها بالموارد والانتشار والشهرة وليست مدرسة لإعداد وتنمية القدرات البشرية المحلية... تلك وجهة نظر ولجميع الآراء تقديرها...
الآن، دعونا نتأمل الواقع الإداري خارج ملاعب الكرة ونسأل هل استقدام الخبير الأجنبي لقيادة بعض مؤسساتنا المحلية يسير على نفس منوال كرة القدم؟ هل ينجحون في بيئتنا مقارنة ببيئات نجاحهم السابق؟ كيف ينجحون؛ عبر فرض ثقافات عمل جديدة أم التأقلم مع الثقافة المحلية؟ هل نعاملهم كمدربي الأندية، يستقطبون أدوات نجاحهم من الخارج أم مثل مدرب المنتخب ليس له سوى اللاعب المحلي؟ هل خططنا واضحة في ربط استقدام الخبراء ببناء وتطوير القدرات البشرية المحلية؟