د. هدى الخلف
سرّني المديحُ الكثيف من الجمهور والمتخصصين معاً تجاه المسلسل المحلي (خيوط المعازيب) عبر موقع إكس وبعض الصحف المحلية خاصة، فلا يُمكن أن يُنكر أي ناقدٍ صادق وشفاف أهمية العمل في حفظ التراث الحساوي والتعبير عن تاريخ الخليج عامة، إضافة إلى الجهود المبذولة منذ سنوات في الإعداد والتمثيل والإخراج ومراجعة اللهجة من جانب فريق العمل، بيد أن السؤال الذي يلح في الذهن: هل يمكن لهذا العمل أن يُحقق عالمية تتناغم مع أهداف رؤية 2030 في الدراما الوطنية؟
إن البعد المناطقي في كتابة الدراما لا يمكن أن يخلق قفزة عربية أو عالمية أبداً للمملكة العربية السعودية؛ كون اللهجة الحساوية غير معروفة في البلاد العربية الأخرى؛ باستثناء دول الخليج من الجيل القديم من جهة، وكون تراثها ومصطلحاته محدودة الاستعمال في الزمن الماضي والحالي أيضاً من جهة أخرى، فليست كل المناطق الأخرى تفهم مصطلحات اللهجة الحساوية بصورة واضحة تجعلها تتناغم مع كل المشاهد الحوارية خاصة.
والحقيقة إن كتابة عمل سعودي باللهجة البيضاء أو البدوية النجدية ستجعل دراما الوطن تخطو خطوات سريعة للمُشاهَدة العربية جمعاء، وبذلك يُسجَّلُ إنجازٌ حقيقي في رؤية الأمير الشاب، ومن جهة أخرى غالباً ما تكون الأعمال الفصيحة المشتركة عربياً تحت مظلة إنتاج محلي لقضية مشتركة أكثر تفاعلاً من الجمهور العربي.
ولا يمكن تناسي شيوع اللهجة الحجازية لقربها من اللهجة المصرية أيضاً، فهي لسان صالح تجاه تحقيق بعد عربي آخر لأعمال الوطن المحلية، فعلى سبيل المثال يُعد مسلسل (أصابع الزمن) بمجال التراجيديا للفنان محمد حمزة رحمه الله مِن جدة، علامة فارقة في الفن المحلي، حيث نقل الدراما السعودية للخليج والدول العربية القريبة أيضاً.
ولكن الجهود المحلية تجاه البعد العربي توقفت بعد (أصابع الزمن) حتى أتى مسلسل (طاش ما طاش) في مجال الكوميديا، والذي أتاح نشر اللهجة النجدية القريبة من البدوية والمعروفة لدى أكثر أهل البادية في الدول العربية جميعها؛ إذ إنه نشر طبيعة المجتمع السعودي بنظرة نقدية فكاهية، لم تعتمد فقط على اللهجة المفهومة، بل على التعابير الساخرة في الوجه، والأزياء وفن الماكياج والمواقف وتوظيف الديكور والسيارات والطبيعة أيضاً، وكل ذلك لنقل الأفكار إلى الذهن، إضافة إلى إتقان الأداء من جانب الممثلين المخضرمين السدحان والقصبي في تناغم جميل بينهما، وبهذا وصل (طاش ما طاش) إلى كل العرب.
وفي مجال المسرح يُمكن توظيف فن البانتومايم لخلق عرض مسرحي يقوم على لغة الجسد والتعبير والرقص والموسيقى والديكور والإضاءة والسينوغرافيا، فمثل هذا الفن سيصل بمسرحنا إلى العالمية في سرعة عالية، لاسيما إن كانت الفكرة مؤثرة والموضوع مشبعاً في التطور الدرامي.
إن المشاهد العالمي متعلق بمسلسل (مستر بن) على سبيل المثال منذ سنوات طويلة، وما يزال يشاهده مراراً وتكراراً بأجزائه المختلفة على الرغم من تلاشي الحوار نهائياً، كونه قادراً على خلق الدهشة والضحكة من موقفٍ يمر به كل الناس، لكنهم يعجزون عن رؤية الجانب المضحك المسلي أو المضحك المبكي معاً فيه.
يعتمد (مستر بن) على الأداء التمثيلي ولغة الجسد وتعابير الوجه وحركة العناصر السينوغرافية حول الممثل في المشهد أو الديكور أو بعض الحيوانات المرافقة والألعاب الحركية وغير ذلك.
إن إعادة التخطيط لبرامجنا الفنية المستقبلية من منطلق الوعي بأهمية التواصل مع كل أنماط الجمهور يتطلب دراية كبيرة بالفنون وأنواعها وحصر أشكالها التي حققت عالمية مؤثرة عبر التاريخ.