عمر إبراهيم الرشيد
شكل العدوان الإسرائيلي الحالي على غزة نقطة تحول في تاريخ قضية العرب الأولى، ذلك أنه لم يسبق وأن واجه الكيان المحتل هذا التنديد الشعبي العالمي، وتحديداً من الدولة الداعمة الأولى أمريكا، عبر جامعاتها وتظاهر الآلاف من طلبتها وحتى بعض أساتذها منددين بقتل الآلاف من سكان غزة العزل. هذا التحول سببه نشاط الإعلام الرقمي الاجتماعي على مستوى العالم، وهو الذي لايواجه القيود المفروضة على وسائل الإعلام التقليدي والرسمي الأمريكي والغربي، فظهرت الصورة الحقيقية لما أسموها بـ(الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط) وإذا بهذه الصورة تتهاوى من خلال شاشات الهواتف الذكية، وعبر مختلف المنصات والروابط والمقاطع، فاندفع طلاب الجامعات ومعهم فئات عريضة من الشعوب في أمريكا والغرب - وأركز هنا على هذه الدول لأن حكوماتها ما تزال هي الداعم الأكبر للكيان المحتل - أقول اندفعوا في مظاهراتهم واعتصاماتهم تأييداً للفلسطينيين، ولم يسبق أن حظيت القضية الفلسطينية بمثل هذا التأييد الشعبي المتعاظم يوماً بعد آخر.
والأشد خطورة على دولة الاحتلال، أن هذا العدوان الإسرائيلي على غزة قد أتى بنتائج لم يتصور ساسة الكيان حجمها، إذ أخذت الشعوب خارج المنطقة العربية وتحديداً الغربية، تدرك أن معاناة الشعب الفلسطيني - ولا أتحدث عن القيادات - بدأت منذ مايقرب من تسعة عقود من الزمن، وليست وليدة اليوم. كما بدأت قطاعات عريضة من الأكاديميين والكتاب والمثقفين عدا عن باقي شعوب تلك الدول، يدركون حقيقة هذا الكيان وكيف أنهم ينتقمون من ماوقع عليهم من النازيين ومن قبلهم، فيصبون نيران أحقادهم وعقدهم النفسية والتاريخية على رؤوس أطفال ونساء وشيوخ غزة كما فعلوها في مختلف حروبهم على العرب. وهذا أخشى مايخشاه الإسرائيليون، أقصد به انكشاف زيف ادعاءاتهم أمام الرأي العام الغربي وليس الحكومات، وهذه الأخيرة يؤثر عليها الرأي العام والناخبون بطبيعة الحال.
لقد ارتوت أرض غزة بدماء أبنائها ولاحول ولاقوة إلا بالله، لكن بدأ الكيان بالاهتزاز وهو الدولة الوحيدة في العالم التي زرعت في تربة لاتناسبها، وإن غداً لناظره قريب، إلى اللقاء.