أ.د.عثمان بن صالح العامر
يعاني الكثير منا خاصة بعد انقضاء شهر رمضان المبارك، الذي انقلب الليل فيه نهاراً والنهار صار ليلاً عدم الانتظام في النوم، وهذا دعاني لطرح تساؤلات عدة على نفسي - وأنا من أولئك الكثر الذين ما زالوا عاجزين عن ضبط ساعتهم البيولوجية - ترى كيف لي أن أعيد ترتيب ساعة يومي فأجعل الليل للنوم والنهار للمعاش كما هي سنة الله في الأرض؟ وفي خضم القراءة الحرة في المواضيع المثيرة للتساؤلات الفلسفية المعمقة في هذه الليالي الرائعة بأجوائها الحائلية المتميزة، كانت قراءتي لهذا الكتاب (لماذا ننام.. اكتشف طاقة النوم والأحلام.. لمؤلفه: ماثيو وُوكر.. أستاذ علوم الأعصاب والفيزيولوجيا، ومدير «مركز علوم النوم البشري في جامعة بيركلي، والأستاذ السابق في جامعة هارفارد.. ترجمة: الحارث النبهان)، ومما جاء في فصله الأول المعنون بـ(النوم)، ما يأتي:
* يفشل ثلثا البالغين في البلدان المتطورة كلها في تحقيق فترة ساعات النوم الليلي الثماني المُوصى بها علمياً. وهذا ما جعل منظمة الصحة العالمية تعتبر قلة النوم حالة وبائية منتشرة في الأمم الصناعية كلها. هذا هناك في بلدان العالم الأول، فكيف هو حالنا في عالمنا الذي ما زال للأسف ينعت بالثالث؟!
* إن اعتيادك أن تنام ليلاً أقل من ست ساعات، أو حتى أقل من سبع ساعات، يقوِّض نظامك المناعي ويزيد خطر إصابتك بالسرطان أكثر من ضعفين. وهذا يجعلنا نقول إن قلة النوم قد تقتلك حقاً. وقل ما شئت عن الآثار المترتبة عن هذا السلوك الحياتي المشين سواء أكانت آثاراً اقتصادية أو صحية أو علمية أو اجتماعية.
* إن حالة اللا مبالاة الاجتماعية تجاه النوم ناتجة في جزء منها عن تقصير تاريخي من جانب العلم في توضيح ما يجعلنا في حاجة إلى النوم.
* من المدهش حقاً أن الأطباء والعلماء ظلوا عاجزين حتى وقت قريب عن تقديم إجابة كاملة أو منطقية عن هذا السؤال: (لماذا ننام؟)
* إننا نعرف منذ عشرات السنين أو منذ مئات السنين وظائف الدوافع الأساسية الثلاثة الأخرى في الحياة: (الأكل والشرب والتكاثر) إلا أن الدافع البيولوجي الرئيسي الرابع الموجود لدى مختلف الأجناس في المملكة الحيوانية كلها، أي الدافع للنوم، ظل آلاف السنين مستعصياً على العلم.
* وينهي المؤلف في هذا الفصل إلى القول: (النوم شيء أكثر تعقيداً وعمقاً وإثارة للاهتمام، وهو مهم للصحة إلى حد يستوجب انتباهاً شديداً، إننا ننام من أجل خدمة مجموعة من الوظائف... من أجل عدد كبير من «المنافع الليلية» المفيدة لأدمغتنا وأجسادنا، والظاهر أن ما من عضو رئيسي في الجسد، وما من عملية رئيسية من عمليات الدماغ إلا يتعزّز على النحو الأمثل بفعل النوم) ثم يشرع في سرد المكاسب التي يتحصل عليها الإنسان من التزامه بالنوم الليلي مدة الساعات المقننة علمياً حسب سنه.
* ويختم المؤلف تحليله الدقيق وبيانه المستفيض للفوائد التي نجنيها من النوم المبكر في الليل بقوله: (... والمؤسف أن الدليل الحقيقي الذي يوضح الأخطار الواقعة على الأفراد والمجتمعات نتيجة قلة النوم لا يزال غير معروض أمام الناس بطريقة واضحة، وهذا هو أكبر نقص في المعلومات الصحيحة المتداولة في زماننا. وفي مواجهة ذلك كانت الغاية من هذا الكتاب هي أن يقدم محاولة دقيقة علمياً من أجل تلبية هذه الحاجة، ومن هنا فإنني آمل أن تكون قراءته رحلة ممتعة حافلة بالاكتشافات الساحرة، يسعى الكتاب إلى إعادة النظر في فهم النوم في ثقافتنا من أجل الكف عن إهماله.
وعلى نفس المنوال، وفي ذات السياق، كان هذا المقال الذي هو في حقيقته دعوة للأخذ بسنن الله الكونية التي جاء النص عليها صراحة في القرآن الكريم، فالليل لباس، سبات، سكن، والنهار مبصر، معاش، نشور. وللحديث بقية عن سنة النوم ليلاً ولمدة ثماني ساعات، أي ثلث الأربع وعشرين ساعة في مقابل الثلثين. وإلى لقاء، والسلام.