عبده الأسمري
تأتي القراءة على رأس هرم الاهتمام لكل إنسان يرى فيها لذة «المعرفة» ويجد خلالها متعة «الثقافة».. ويتباين البشر في ذلك ما بين قارئ عابر يسعى إلى تبديد وقت فراغه وآخر مرابط يمعن في إشباع نهم عقله، وما بين النموذجين «قوافل» من القرّاء لم ينالوا «غنائم» الغاية بعد أن ركضوا في الميدان دون تحديد اتجاه وتوليد هدف.
تتجاوز القراءة تلك «المفاهيم» الاعتيادية وما نراه من «تكرار» عن مضامينها وأهدافها إلى ما هو أبعد وأشمل وأدق وأعمق وصولاً إلى تحوّلها إلى «معنى» حياتي ومعرفي ينقل الإنسان إلى مراحل متقدمة من الوعي والفكر والرقي والتميز متى ما ظل في «انسياق» نحو القيمة و»سباق» إلى «المقام» الذي يميز «العقول» في ارتباطها بالحرف والكلمة والعبارة والمنتج.
في دروب القراءة الكثير من «البشائر» والعديد من «التباشير» الكفيلة بمد جسور متينة ما بين الأهداف والنتائج وصناعة مساحة «ذهنية» تكفل للإنسان الخروج من «الأوقات» المستهلكة» إلى المفيدة» وتصقل القول ليتحول من التكرار إلى الاعتبار وتجعل القارئ في «مهمة» مستديمة لمراقبة قوله وترقب حديثه وترتيب عباراته فتترتب الأفكار وتتبارى العبارات ويرتقي الخطاب ويزهو الجواب.
القراءة وسيلة نافعة وغاية شافعة تبدد موجات الاعتياد وفي ساحاتها تتشكل «غيوم» الفكر لتمطر صيباً نافعاً من الفوائد وتوفر نصيباً شافعاً من العوائد التي توزع إهداءات «الإثراء الفكري» وتخلد إمضاءات «الثراء المعرفي» في عناوين من الأثر المشفوع بتغذية العقل وميادين من التأثير المدفوع بتنمية الذهن.
القراءة «حياة» تكفل للقرّاء تسليط «مجهر» الاستقراء على أدق تفاصيل المعلومة واجتياز «معبر» الاستطلاع للوصول إلى «ضفاف» «الاطلاع» والمضي عبر دروب «المعرفة» لحصد «مغانم» الإبداع ونيل «غنائم» الإمتاع والنهل من «معين» المعارف بما يبهج الروح ويسر الخاطر ويجدد الفكر ويغذي العقل ويصنع التميز. من لا يقرأ يصاب بالجمود الفكري ويظل في مستوى ثابت من المعرفة القائمة على ذلك «التلقين» الذي حشى به عقله وفق ضرورية الدراسة وتلك المناهج التي ازدحمت بعشوائية في ذهنه لنيل الشهادة وما يسلكه من روتينية في ميدان الوظيفة مما يجعله في «توقف» يجبر خطواته على المكوث في نقطة محددة والتزعزع عنها لخطوات إلى الوراء لأنه ينظر من «زاوية» حادة واحدة واتجاه محدد تحت مظلة «الروتين» وفي إطار «الضرورة» دون النظر من زوايا منفرجة إلى القراءة والتي ستفتح له آفاق المتعة الذهنية واللذة المعرفية والصحة النفسية في آن واحد. هنالك الكثير من المقيمين في «ميادين» القراءة بحاجة إلى تعديل خططهم وتغيير مساراتهم فالبعض يتقوقع داخل حد «التخصص» وآخرون يقرأون من أجل تمضية الوقت أو تسلية النفس ونوع أخير بكل أسف يقرأ من أجل أن يطلق عليه أنه «قارئ» ولا ينسى أن يوثق كل جولاته القرائية ويعممها ويبثها ويروجها ولو تمعنت في مخرجات فكره لوجدتها جامدة ومحدودة وتبقى «العبرة» في العمل على الاستقراء والبحث وملء رصيد «الفكر» بالجديد والمتجدد والقديم والجديد والأصيل والمتأصل من العلوم والمعارف وتنويع مصادر «التغذية» الذهنية والعمل على التعامل مع الكتب على أنها «مشاريع» فكرية ومنافسة معرفية تستوجبان فرضية الكفاح وحتمية النجاح..
لماذا نقرأ؟.. سؤال أضعه أمام كل إنسان وتبقى الإجابات الصحيحة والحقيقية والواقعية في ذهنه متأرجحة ما بين وضوح واجب أو تردد متوقع.. ولكن الجواب الكافي والشافي في سلوك «القراءة» الذي يعزز الفكر ويحفز التفكير ويصنع الإنجاز ويغذي النفس ويؤصل الإبداع ويمنح الرضا ويصنع المستقبل.