د. محمد بن أحمد غروي
يعني اسم «تيمور الشرقية» بالمعنى الحرفي باللغة الإندونيسية والملاوية «الشرق الشرقي» أو «أقصى الشرق»، وهي عبارة عن دولة جزرية تقع في أقصى جنوب شرق أرخبيل الملايو الواقعة بين جنوب شرق آسيا وأستراليا وبين المحيطين الهندي والهادئ، وتبلغ مساحتها حوالي 14.6 ألف كيلومتر، وتمتلك حدودًا مع إندونيسيا في جنوبها الغربي، كما يحدها بحر تيمور في الجنوب الشرقي.
وتُعد تيمور الشرقية إحدى أحدث الدول المستقلة والتي انضمت إلى منظمة الأمم المتحدة في مطلع القرن الحادي والعشرين، وكانت عاصمتها «ديلي»، ميناءً محوريًا أثناء الاستعمار البرتغالي، واتُخِذَت مقرًا للحكم الإندونيسي حين كانت إقليمًا تابعًا لإندونيسيا.
ويعد الدولار الأمريكي العملة الرسمية للبلد الصغير، كما يتم التعامل بالروبية الإندونيسية أيضًا، وعملة الدولار الأسترالي، ويقدر عدد سكانها بحوالي مليون ونصف نسمة، وينتمي معظم السكان إلى أصول مالاوية أو بابوية، وتعتبر التيتومية والبرتغالية اللغتين الرسميتين للبلاد، بينما تعتبر الإندونيسية والإنجليزية لغات عمل. يعتمد اقتصاد «ديلي» على عائدات التصدير من النفط والغاز الطبيعي بنسبة تصل إلى 90 %، وتمثّل الولايات المتحدة وكندا وإندونيسيا والصين أكبر وجهات تصدير لمنتجاتها، فيما تستعد تيمور الشرقية في القريب لأن تصبح العضو الحادي عشر لآسيان، بعد موافقة الأعضاء العشرة من حيث المبدأ على انضمام البلد الصغير، ومنذ أن مُنحت صفة مراقب رسمي وحصلت على موافقة مبدئية لتصبح عضوًا في رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) خلال قمتي آسيان الأربعين والحادية والأربعين في كمبوديا في عام 2022، وأتاح للبلاد حضور الاجتماعات بما في ذلك الجلسات العامة لقمة المجموعة.
يمثّل المسيحيون الكاثوليك غالبية سكان تيمور الشرقية، وتصل نسبتهم إلى أكثر من 97 %، بحسب إحصاءات عام 2018 سابقة، يشكل المسلمون فيها نسبة قاربت 1 % .
ولكن الإسلام كان موجودًا لفترة طويلة في الدولة الجزرية بحسب المصادر التاريخية، ويشير أمباراك إيه بازهير في كتابه «الإسلام في تيمور الشرقية» إلى أنه كان موجودًا في البلد الصغير منذ فترة طويلة حتى قبل وصول البرتغاليين إليه في عام 1512، كما تذكر الروايات التاريخية في الكتاب عدد من النظريات عن وصول الإسلام إلى تيمور الشرقية، أحدها مجيئه مع رحلات التجار العرب الذين أبحروا للجزيرة عبر الطريق البحري في جنوب سولاويسي، فيما تشير نظرية أخرى إلى أن انتشار الإسلام كان طريق الممالك الإسلامية التي كانت تحيط بالعاصمة ديلي، وحتى عام 1975 اكتُشف عن وجود ما لا يقل عن 27 عائلة عربية تعيش في تيمور الشرقية.
ويشكل مجلس الدعوة الإسلامي الإندونيسي أكثر منظمة إسلامية نشطة في تيمور الشرقية، وأنشطتها تابعة ومدعومة من مجلس العلماء الإندونيسي، ويعتبر مسجد النور أكبر وأقدم المساجد في العاصمة ديلي، ويعود إلى الخمسينيات من القرن الماضي أثناء الحقبة البرتغالية.
يحمي الدستور الفتي مختلف العقائد والأديان، حيث لا يوجد دين رسمي للدولة مسيطر في الدستور، كما يكفل حرية العقيدة والديانة لمختلف مواطني البلاد دستوريًا، وفي تيمور الشرقية تقلد مسلم لمنصب رئاسة الوزراء في فترة مبكرة من بعد الاستقلال، وأصبح مرعي بن عمودة الكثيري رئيسًا لوزراء تيمور الشرقية في عام 2002 وحتى عام 2006، ثم مجددًا من 2017 ولمدة عام، كما أن امرأة مسلمة تولت منصب نائب وزير المالية ونائب محافظ البنك المركزي في البلاد بعد الاستقلال، بما يدل على معاملة المسلمين على قدم المساواة مع الغالبية الدينية في البلاد. وفي عام 2022 أقرَّ البرلمان بالإجماع في جلسته على تطوير مناهج دراسية تدعم السلام العالمي والعيش المشترك، وتنشئة أطفال المدارس على التعايش الديني والتنوع العرقي، التسامح السياسي المجتمعي.
رغم أن تيمور الشرقية بلد فتية صغيرة في طرف الأرض إلا أني أعتقد أن دعم الحكومة في التعايش السلمي فيها نموذج يجب أن تبنى عليه دراسات مستقبلية، ويمكننا القول إنه نموذج عالمي للدول الأخرى التي فيها أقليات دينية.