عبدالوهاب الفايز
موافقة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- على إلزام منسوبي الجهات الحكومية السعوديين المدنيين بالزي الوطني (الثوب والغترة أو الشماغ) منذ دخولهم لمقار عملهم حتى خروجهم، مع استثناء مَن تقتضي طبيعة عملهم لبس زي مهني مُعيَّن، مثل الأطباء والممارسين الصحيين والمهندسين ونحوهم. هذه الموافقة المبنية على ما عرضه سمو ولي العهد يحفظه الله، تضمنت التأكيد على (أن تقوم الجهات الرقابية برفع تقارير دورية عن مدى التزام منسوبي الجهات الحكومية السعوديين بذلك). وهذه يأتي بعد الموافقه السابقة على إلزام القيادات في القطاع العام والقضاة والمحامين بضرورة لبس البشت في المقرات الرسمية.
مواقف القيادة لا تتأخر في الأمور التي تمس المصالح العليا للبلاد، والموافقات الأخيرة حول الزي الوطني تأتي في هذا السياق لأنها تمس هوية الدولة وتكرس شخصية المواطن السعودي. الذي نتطلع إليه هو التوسع في تعزيز هوية بلادنا وتربية أبنائها على الاعتزاز والاحتفاء بكل ما يربطهم ببلادهم، وهذا مهم العمل علية لتربية الأجيال المتتالية للدولة التي تتطلع إلى عقود قادمة من الاستقرار والازدهار الاقتصادي والاجتماعي. والتوسع الذي نتطلع إليه يمس اللغة العربية.
كل البلاد والشعوب تعتز بهويتها وبقياداتها وبلغتها الأم، واللغة العربية بالنسبة لنا هي أساس الهوية، وبلادنا في تاريخها الحديث كانت خادمة وراعية الدين الإسلامي واللغة العربية، ورحم الله الملك المؤسس عبدالعزيز الذي وضع هذا بكل وضوح في أساسيات وأدبيات الدولة. يذكر المؤرخ أمين الريحاني حين كان يتحاور مع الملك عبدالعزيز عن العرب قال له الملك المؤسس (حنا العرب). أي بلادنا هي منبع العرب والعروبة.
هذا الإرث العظيم يضع علينا مسؤولية كبيرة تجاه الحفاظ على اللغة العربية والاعتزاز بها. وما نراه من بعض القرارات والممارسات يقدم صورة لا تتماشى مع هذا الإرث التاريخي لبلادنا وقياداتها. التوجه بالسماح بانتشار اللغة الإنجليزية في حياتنا أمر سلبي على هوية البلاد، وعلى مستقبل الأجيال القادمة. لقد سبق أن تحدثت عن هذا الأمر وبهذه الجريدة في عدة مقالات، وهنا الاستمرار في طرح هذا الأمر نستمده من واجب الصحافة السعودية التي ظلت ولعقود مضت حاملة الهم الوطني.
كنت أتمنى أن لا يوافق مجلس الشورى الأسبوع الماضي على مقترح تعديل المواد في نظام الأسماء التجارية التي تتيح التوسع في استخدام الألفاظ والحروف للمسميات التجارية، فهذا الأمر يرتبط بهوية البلاد. التوسع في هذا سوف يجعل الزائر الذي يتجول شورعنا ربما يظن أنه ليس في بلد عربي! وسوف يرى المفارقات. شوارع تعلو فيها المآذن وتغمرها الأسماء واللوحات للمحلات التجارية باللغة الإنجليزية!
هذا التساهل في أمر اللغة العربية تم الحديث حوله في مقال سابق (الجزيره الأربعاء 27 يوليو 2022 المواطنة العالمية والمدارس الدولية.. حصان طروادة الثقافي). هذا الأمر المتنامي يجعلنا نستنتج أمرين سلبيين - وأرجو أن أكون مخطئاً في الاستنتاج - وأولهما الاعتقاد أن هناك من لا يدرك خطورة هذا الأمر على الأجيال القادمة وعلى هوية الدولة، والثاني أن هناك من لا يعرف أن النظام الأساسي للحكم ينص على سيادة اللغة العربية في أمور الدولة والمجتمع.
الذين يرون الأمور التي تُسرّع وتُسهل الحد من اللغة العربية وتساهم في تهميشها في الحياة العامة، ربما تدركهم الحيرة حينما يرون - في المقابل - تأكيدات وأوامر القيادة بعدم التساهل في الزي الوطني. أيضاً تدركهم الحيرة حين يرون المشاريع والمبادرات النوعية لخدمة اللغة العربية التي تبنتها بلادنا ودعمتها، مثل مجمع الملك سلمان للغة العربية، ويرون مبادرات ومشاريع وزارة الثقافة، بالإضافة إلى العديد من الأنشطة والجوائز التي تحتفي باللغة العربية وبكل ما يخدمها ويعززها.
موضوع اللغه العربية في حياتنا يجب أن ترقى النظرة إليه إلى المستوى الوجودي، ونقصد أنها مسالة ترتبط بالمصير وضرورات البقاء. والأمور الوجودية تصبح سيادية ولا تُترك لاجتهادات لا تأخذ بالحسبان الأمور السياديه لبقاء الدول وحيويتها. نتمنى أن نرى الحزم والعزم، الذي لا يتأخر لحماية المصالح العليا لبلادنا، يمتد إلى كل الأمور التي تحفظ وتعزز اللغة العربية في كل شؤون حياتنا.