جانبي فروقة
كان للنفط النصيب الأكبر في عام 2022م ضمن الاستهلاك الكلي للطاقة الأولية في العالم (حسب معهد الطاقة البريطاني) بنسبة وصلت إلى 32 % ويليها بالترتيب الفحم بنسبة 27 % ومن ثم الغاز بنسبة 23 % وبعدها الطاقة الكهرومائية بنسبة 7 % ومن ثم الطاقة المتجددة بنسبة 7 % والطاقة النووية 4 %.
نشر مؤخراً تقريرٌ يدقّ ناقوس الخطر للمنتدى الاقتصادي العالمي بالتعاون مع الشركة الاستشارية أوليفر وايمان يقول : إنه بحلول عام 2050م سيفرض التغير المناخي ضغوطاً هائلة على أنظمة الرعاية الصحية والاقتصاد العالمية حيث يتوقع أن يتسبب بوفاة 14.5 مليون شخص وخسائر اقتصادية تربو على 12.5 تريليون دولار.
وكما توقعت دراسة أجراها معهد بوتسدام لأبحاث تأثير المناخ (PIK) بدعم من الحكومة الألمانية أن آثار المناخ يمكن أن يقضي على ما يقرب من خمس الناتج المحلي الإجمالي العالمي بحلول منتصف القرن وذلك يعني 38 تريليون دولار وقالت الدكتورة ليوني وينز المشاركة في هذه الدراسة «إن حماية المناخ تكلفنا أقل بكثير من عدم القيام بذلك» حيث قدرت التكاليف بـ 6 تريليونات دولار لتنفيذ التدابير اللازمة للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري لضمان أن لا ترتفع حرارة الأرض أكثر من درجتين مئويتين بحلول 2050م.
يؤدي تغير المناخ إلى حدوث ظواهر جوية متطرفة مثل الأعاصير وموجات الحر والفيضانات والجفاف ومن الأمثلة الحية اليوم معاناة الغرب الإفريقي من واحدة من أسوأ موجات الحر في الذاكرة الحية حيث تتجاوز درجات الحرارة ليلاً ونهاراً 40 درجة مئوية ومؤخراً شهدنا الفيضانات في دبي وعمان حيث تعرضت دبي لعاصفة قياسية شهدت هطول أمطار عام كامل في يوم واحد مما أدى إلى غمر الطرق والمنازل وتوقف المطارات.
هناك تقارير جميلة تصدر عن المنتدى الاقتصادي العالمي بالتعاون مع جامعات مثل هيريوت وات في اسكتلندة ترصد المبادرات والاقتراحات التي يمكن أن تُتّخذ لمعالجة قضية المناخ ومنها كمثال أن اتخاذ التدابير اللازمة وتطبيقها على قطاع البناء والنقل حتى عام 2030م يمكن أن يخفض استخدام الطاقة بنسبة 30 % وهذا يمكن أن يوفر ما قيمته 2 تريليون دولار عالمياً وسنتمكن من الاستغناء عن الحاجة لبناء 3000 محطة طاقة جديدة ومن أهم هذه المبادرات هي استخدام تكنولوجيا الـ AI الذكاء الاصطناعي في إدارة أنظمة التهوية والتدفئة والتبريد في المنازل والأبنية حيث يمكن توفير الاستهلاك بما يقدر بـ25 % وكذلك تحديث الأبنية بعمليات الإكساء الذكية واستخدام تطبيقات فعالة وذلك يمكن أن يخفض استهلاك الطاقة للبناء بنسبة 31 % وكذلك استخدام السيارات الكهربائية التي هي فعالة في استهلاك الطاقة بأربعة أضعاف السيارات التي تسير بالوقود الأحفوري وكذلك إعادة استخدام مخلفات الحرارة الصناعية وعلى سبيل المثال فإن الحرارة والطاقة المستردة من مصنع كيميرا في السويد تساهم اليوم بـ25 % في تدفئة المنازل المجاورة في مدينة هالسينبرغ. ومبادرة بناء تجمعات صناعية في مكان واحد يعطي دفعاً قوياً في ترشيد استهلاك الطاقة. تؤدي اليوم الصراعات الدولية وعدم اليقين السياسي مثل الغزو الروسي لأوكرانيا والصراع في الشرق الأوسط لمزيد من التقلبات في أسواق الطاقة وتحفز الحاجة إلى طاقة أكثر استدامة لتعزيز أمن الطاقة وتقليل الانبعاثات وعلى الرغم من مواجهة الطاقة النظيقة لتحديات مثل التضخم في التكاليف ومشاكل سلاسل التوريد فإنها تظل أكثر ديناميكية في الاستثمارات العالمية.
كشف تقرير «اتجاهات الاستثمار في تحول الطاقة لعام 2024» الصادر عن شركة بلومبرج إن إي إف (BNEF) عن نمو كبير في الاستثمارات العالمية في مجال الطاقة المتجددة والمركبات الكهربائية والهيدروجين وتقنيات احتجاز الكربون، حيث سجل الاستثمار العالمي ارتفاعاً بنسبة 17 % في عام 2023 ليصل إلى 1.77 تريليون دولار. وتتصدر الصين الاستثمارات بمبلغ 676 مليار دولار، وهو ما يمثل 38 % من الإجمالي العالمي، متفوقة على مجموع استثمارات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
كما سجل قطاع النقل الكهربائي النمو الأكبر بزيادة 36 % ليصل إلى 634 مليار دولار، بينما شهد قطاع الطاقة المتجددة زيادة بنسبة 8 % ليصل إلى 623 مليار دولار. وكانت الاستثمارات في شبكات الطاقة ثالث أكبر مساهم بمبلغ 310 مليارات دولار، مما يدل على أهميتها المتزايدة في تسهيل التحول إلى الطاقة النظيفة. والاستثمار في سلسلة توريد الطاقة النظيفة بلغ 135 مليار دولار عالمياً في عام 2023، ومن المتوقع أن يرتفع إلى 259 مليار دولار بحلول عام 2025. وقد شهدت المجالات الناشئة مثل الهيدروجين واحتجاز الكربون وتخزينه، وتخزين الطاقة نمواً ملحوظاً، مع تضاعف الاستثمار في الهيدروجين ثلاث مرات وزيادة استثمار تخزين الطاقة بنسبة 76 %.
إن استهلاك الطاقة عالمياً في زيادة مستمرة وزاد استهلاك الطاقة منذ عام 1965م بأكثر من أربعة أضعاف خلال الفترة نفسها ومازال الوقود الأحفوري (الفحم والنفط والغاز) هو المصدر الأساسي للطاقة في العالم وتشكل حوالي 82 % من الطاقة المستهلكة وحسب المعهد البريطاني للطاقة فإن الاستهلاك العالمي للفحم زاد بنسبة 0.6 % وإجمالي إنتاج الفحم العالمي زاد بنسبة تزيد عن 7 % في عام 2022 وأتت الزيادة الكبرى للإنتاج من ثلاث دول آسيوية هي الصين والهند وإندونيسيا رغم أننا نرى أن استهلاك الفحم في أمريكا انخفض بنسبة 7 % وفي أوروبا بنسبة 3 %.
يتوقع تقرير جديد للوكالة الدولية للطاقة المتجددة (IRENA) أن تشكل الطاقة المتجددة ثلاثة أرباع مزيج الطاقة العالمي بحلول 2050م يؤكد التقرير أن 86 % من سكان العالم يعيشون في دول كانت مستوردة صافية للوقود الأحفوري في 2022، (ونذكر بأن حوالي ثلاثة أرباع انبعاثات الغازات الدفيئة تأتي من حرق الوقود الأحفوري للحصول على الطاقة) وأن الانتقال إلى الطاقة المتجددة سيعزز الاكتفاء الذاتي وينقل الاعتماد من المستوى العالمي إلى الإقليمي. ويشدد التقرير على إعادة تعريف وتفسير مفهوم أمن الطاقة في ضوء التحول من الوقود الأحفوري إلى مصادر الطاقة المتجددة بمفهوم شامل يتضمن التكنولوجيا ومرونة النظام وتأثيرات تغيرات المناخ والأمن البشري مؤكداً على ضرورة اتباع نهج متكامل يواجه كل هذه التحديات. ومن المتوقع أن يمثل الجنوب العالمي حوالي 60 % من إجمالي الطلب على الطاقة بحلول عام 2050م مما يدل على أهمية دعم هذه البلدان في تحولها في مجال الطاقة النظيفة.
إن تبني سياسة الطاقة النظيفة ليس فقط للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة بل هو ضمان لخلق مستقبل أجمل يتنفس فيه كوكبنا بشكل أسهل ويعيش فيه أطفالنا بشكل أفضل.
** **
- كاتب مقيم في الولايات المتحدة الأمريكية