د.محمد بن عبدالرحمن البشر
الحجاج بن يوسف الثقفي غني عن التعريف، فهو أشهر من أن يعرف، كان أول أمره معلماً للقرآن في الطائف، وقد كان فصيح اللسان بليغاً، حافظاً للقرآن، على دراية بالنحو، تولى أمر العراق لعبدالملك بن مروان، وبقي هناك حتى توفي، وفتح الأمصار، ونجح في استتباب الأمن، لكنه كان جباراً فيه قساوة، يستسهل سفك الدماء، حتى قيل إنه قتل أكثر من مائة وعشرين ألفاً، ولا يتورع في القتل، وفي سلوكه بعيد عن الخنا، وشرب الخمر، واستحلال الفروج، وكان شهماً كريماً، يقال إن عبدالملك بن مروان سأله ذات مرة أن يصف نفسه فقال: لجوج حقود حسود، وفي رواية أخرى إنه قال: حسود حقود كنود، والله أعلم.
أما المهلب بن أبي صفرة الأزدي، فهو ذو نسب شريف متواصل من أزد عمان في مدينة دبا، وهذا الاسم موجود حتى الآن فهناك دبا عمان ودبا الفجيرة، وعاش في البصرة، وقد تولى خراسان من قبل الحجاج، وكانت له حروب ومواقف عظيمة في قتال الخوارج واستقرار الأمن، كما أنه قام بفتح ما وراء البحر، جرجان وبخارى وسمرقند، وغيرها من البلدان، ويتمتع بصفات جليلة، فهو حليم، كريم، وذات يوم مر بالسوق وسمع امرأة تقول: هذا الأعور ساد الناس، ولو يباع في السوق لا يساوي مائة درهم، وكان قد فقد إحدى عينيه في إحدى حروبه، فضحك وقال أعطوها مائة درهم، ولو زدت في الثمن لزدناك في العطية، وقصصه طويلة وجليلة.
كانت علاقة الحجاج مع آل المهلب جيدة، وقد تزوج الحجاج بابنة المهلب، وهي هند ذات الجمال، والبهاء، والبلاغة، والعقل الراجح، وبعد وفاة المهلب، تولى ابنه يزيد ولاية خراسان بأمر من عبدالملك بن مروان، لكن يبدو أن العلاقة بين يزيد والحجاج لم تكن كما هي مع والده، لعدم التوافق النفسي، أو العملي، أو أن لدى يزيد بن المهلب طموحاً تجاوز فيه ما يريده الحجاج، فخشي من مزاحمته، ولهذا أخذت الضغينة تستشري في نفس الحجاج، فرأى الوقت المناسب، للحديث مع الخليفة عبد الملك في شأنه، أما المبررات فيمكن إيجادها بسهولة، وبما يعلمه من الأمور التي تؤجج مشاعر الخليفة عليه، فاتهمه بالتساهل مع الأعمش، وبعض الخوارج، فعزله الخليفة، ثم أمر الحجاج بالقبض عليه وإيداعه السجن، وسجن معه إخوانه وجمعاً من آل المهلب، وأعوانهم، وعذبهم فكانت نكبة حقيقية، فغاظ هذا التصرف هند أخت يزيد زوجة الحجاج، فقالت أبيات الشعر المشهورة، فقال لها الحجاج كنت فبنت، فقالت: كنا فما فرحنا، وبنا فما كرهنا، وخطبها الخليفة عبدالملك فاشترطت شروطاً مذلة للحجاج في قصة مشهورة.
في الحقيقة أن المزاحمة في المناصب، والصراع عليها سائد منذ فجر التاريخ، ولهذا يتنافس الكثير على الظفر بحظوة عند المسؤول، ومنهم والعياذ بالله من يحاول أن يغير قلبه على المنافس، وهذا من ألأم الطباع، لكنه مع كل أسف يقع، ومثال ذلك قصة لبيد بن ربيعة وقومه، مع الربيع بن زياد العبسي، عند النعمان بن المنذر في العصر الجاهلي، وقصة ابن زمرك والقاضي النباهي مع ابن الخطيب عند الغني بالله، والكتب تحوي قصصاً لا تحصى في هذا الباب الذي مازال مفتوحاً وسيظل كذلك، إلى أن يغير الله الأنفس.