د. سامي بن عبدالله الدبيخي
وضع دوكسيادس أول مخطط عمراني لمدينة الرياض عام (1971)، إلا أنه لم يتمكن من استيعاب التوسع العمراني السريع والمتسارع الذي شهدته المدينة، فكان لا بد من إعداد مخطط جديد ليستجيب لهذا الوضع المستجد؛ فكان مخطط ست إنترناشيونال سنة (1982) الذي بُنيت فكرته الرئيسة على احتواء هذا التوسع العمراني غير المستدام مرفقاً بجملة من النصوص التشريعية الأساسية لضبطه وتنظيمه مع إضافة العديد من المشاريع الكبرى لتُضفي على المدينة بعداً عالمياً. ومع ذلك لم يستطع هذا المخطط أيضاً في كبح جماح التمدد العمراني الذي لم يكن متوافقاً مع ترتيبات المخطط التوجيهي العام للمدينة ولم يتمكن من تفادي التوسع العمراني المكلف في توفير الخدمات ومد المرافق.
كذلك تم تبني آلية غير مناسبة لتقسيمات الأراضي واعتماد المخططات، مما أدى لارتفاع فاتورة مد الخدمات العامة والبنى التحتية وكلفة تشغيلها وصيانتها التي تشكل عبئاً ثقيلاً على ميزانية المدينة. أمام هذا الوضع، وجدت الرياض نفسها مضطرة لإعداد مخطط عمراني ثالث تحت مسمى «مدستار» سنة (2001) لحصر أبرز «القضايا العمرانية الحرجة» ومعالجتها. إلا أنه اصطدم بدوره بعقبات جمة وتحديات مستعصية حالت دون أن ترى أبرز مخرجاته النور وتُنفذ على أرض الواقع. ولهذه المعوقات أسباب مختلفة ومكامن متعددة ليس هنا مجال استعراضها. وخلال العقدين الأخيرين برزت ضرورة التفكير من جديد في رسم الصورة المستقبلية للمدينة وإعادة النظر في تخطيطها ودراستها، لتجسيد مبدأ جودة الحياة وتعزيز أنسنة المدينة تحقيقاً لازدهارها وتقدمها وريادتها عالمياً.
كما يبدو واضحاً، انتقلت الرياض في فترة قصيرة جداً من مدينة إلى حاضرة كبرى Metropolitan. وها هي اليوم تسير بثقة لتتبوأ بثبات مصاف المدن العالمية الضخمة Megacity. ولهذا كان الشروع في تنفيذ مشاريع الرياض الكبرى الرائدة لتعزز تنافسية المدينة وجاذبيتها. إلا أنها لم تتمكن على ما يبدو، من الانعتاق من الإطار العام الذي أسس ملامحه مخطط دوكسيادس (1971م) والذي يحمل في طياته انحرافات كامنة وغير مستدامة صاحبت تنفيذه. لذلك فإنّ مدينة الرياض بحاجة ملحة إلى صياغة مخطط عمراني مستقبلي تحذوه رؤية تنموية واستشرافية جديدة تسعى لتحقيق الريادة العالمية والتنافسية الاقتصادية والتنمية الاجتماعية للمدينة. ولعل تضمين هذا المخطط بقوة الأحكام التنظيمية وصرامة التشريعات الإلزامية كفيل بأن يردع أي محاولة للانحراف به عن قراراته التوجيهية. وهنا مكمن النجاح لأي مخطط يقف بصلابة أمام كل التحديات التي قوضت في حالات كثيرة مخططات عمرانية سابقة.
ختاماً، في ضوء ما سبق وكمنحنى تعلم، قام طلاب التخرج بقسم التخطيط العمراني بجامعة الملك سعود خلال كامل هذا العام الدراسي 1445هـ، بالعمل في مشاريع تخرجهم على أربعة مواضيع تلامس واقع الرياض وتتفاعل مع المستجدات والتغيرات الحضرية، لتشكل في مجموعها الملامح الرئيسة لمخطط عمراني توجيهي يراعي مبادئ الاستدامة وجودة الحياة، ويعزز خطة التوسع والتحول الاقتصادي والاجتماعي لتستوعب المدينة الزيادة السكانية. تناول المشروع الأول 1 تعزيز الدور التنموي التكاملي للمدن التابعة للرياض. وعمل المشروع الثاني 2 على تطوير المخطط الهيكلي لمدينة الرياض بما يتكامل مع مشروع النقل العام. بينما ركز المشروع الثالث 3 على تطوير مركز حضري مستدام لغرب مدينة الرياض. واهتم المشروع الرابع 4 بتطوير مخطط هيكلي يتكامل فيه مركز الملك عبدالله المالي مع الأحياء المحيطة. ستدعم هذه المشاريع بالمحصلة جودة الحياة وحيوية المدينة وسترفع من كفاءة أدائها لوظائفها، وسيتم عرضها بإذن الله مع نهاية الفصل الدراسي يوم الخميس 8 ذو القعدة الموافق 16 مايو على الساعة 9 صباحاً بمقر كلية العمارة والتخطيط.