منصور ماجد الذيابي
في أعقاب قصف الطائرات الإسرائيلية لمبنى القنصلية الإيرانية في سوريا في الأول من أبريل، نيسان 2024 وما نتج عنه من مقتل أحد قادة فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني وسبعة عسكريين آخرين في الحرس الثوري، وما تلا هذا القصف من تهديد إيراني برد عسكري قوي لم يسفر حتى عن مقتل يهودي واحد أو يسبب خسائر فادحة في الممتلكات، فقد وصف البعض من المحليين السياسيين بأن شعار الرد على القصف الإسرائيلي ليس إلا مسرحية هزلية تم التفاهم حولها مسبقاً بين الجانبين على دور البطولة الوهمية فيها لذر الرماد في عيون الرأي العام المحلي والإقليمي الذي كان يعتقد أن إيران سوف تثأر لقتلاها على الأقل بما تمتلكه من مسيرات وصواريخ باليستية سقط بعضها في أماكن صحراوية، وتم إسقاط ما تبقى منها قبل الوصول لأهدافها.
وفي غضون الهجوم الإيراني ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن إسرائيل قرّرت الرد على إطلاق المسيرات الإيرانية ولكن بحكمة وفي وقت مناسب، بما يضمن كذلك ذر الرّماد في عيون الرأي العام الإقليمي، وبالتالي نستنتج أن ما حدث بين الطرفين ليس إلا فيلماً هندياً ومونتاجاً خيالياً كان حزب الله الموالي لإيران استخدمه خلال قصفه المتواصل لأحد أعمدة الكهرباء بالقرب من الحدود مع لبنان، وهو القصف الذي يعكس مدى التفاهمات والطبخات بين ما يسمى بمحور المقاومة وإسرائيل من ناحية وبين هذا المحور وأمريكا من ناحية أخرى.
من كل هذه التفاهمات والشعارات القومية البرّاقة، نفهم أن محور المقاومة يتحالف ويتفاهم ويتعاون مع الشيطان الأكبر كما يسمونه وأيضاً مع إسرائيل، ليس ضد الشعب الفلسطيني فحسب وإنما ضد الدول العربية بشكل عام من خلال أذرعه الأربع في لبنان والعراق واليمن وسوريا بدليل أن الولايات المتحدة الأمريكية تدعم إسرائيل علناً، وأن إيران لم تشأ أن يحدث جرّاء هجومها الصوري على إسرائيل أية خسائر في الممتلكات والأرواح، وأن حزب الله يكتفي فقط بقصف عمود الكهرباء لإيهام الرأي العام العربي بأنه يناصر ويساند أهل غزة ضد قوى الشر والعدوان، وأن الحوثيين يقصفون الدلافين والأسماك في أعماق البحر الأحمر، ويزعمون أنهم يقصفون البواخر والسفن الامريكية والبريطانية المتجهة لإسرائيل عبر خليج عدن والبحر الأحمر.
كنت أسمع عن حرب الأيام الستة، وحرب تموز 2006، وحرب الثماني سنوات، وحرب البسوس التي دامت أربعين سنة، والحروب العالمية الأخرى، لكنني لم أسمع قط عن حرب تبدأ وتنتهي في يوم واحد، الأمر الذي يثير الشكوك، ويجعل الإنسان يتساءل عن سبب انتهاء الحرب بهذه السرعة، إن لم يكن تم الاتفاق مسبقاً بين ما يسمى بمحور المقاومة وإسرائيل على بداية ونهاية المبارزة الودية بين إسرائيل وإيران التي ما فتئت تهدد مصالح امريكا وتتوعد إسرائيل بزوالها من الخارطة إذا ما أقدمت على تهديد الأمن القومي الإيراني أو تهديد منشآتها الدبلوماسية وفصائلها الثورية وأذرعها العسكرية في المنطقة العربية.
من كل هذه المعطيات نفهم أن إيران ترفع شعار الموت لأمريكا وإسرائيل في حين تتحالف معهما من تحت الطاولة لأجل تحقيق مصالح متبادلة ومكاسب اقتصادية وجيوسياسية، تضمن لإيران رفع مستوى تخصيب اليورانيوم، وغض الطرف الأمريكي عن التمدد والتوسع والتغلغل الإيراني في المنطقة العربية من الخليج الى المحيط، وفي ذات الوقت تلتزم إيران بالصمت والحياد ازاء الأحداث في غزة، وإزاء التواجد الأمريكي عسكرياً تحت مظلة سيادة إسرائيل، وحقها في الوجود، وحقها في الدفاع عن حدودها المزعومة وحماية أمنها القومي من أي تهديد خارجي.
لقد تكشّفت خيوط هذه المؤامرات السياسية والأفلام السينمائية بين إيران وإسرائيل وبعض الدول الغربية، ولم يعد لها أي جدوى في إقناع الرأي العام العربي والعالمي بمصداقية المواقف المعلنة وخلفية الشعارات المضحكة، ذلك أن ما يحدث في المنطقة العربية من ثورات وصراعات وأزمات إنما تقف خلفه هذه الدول جميعها من خلال أذرعها في المنطقة العربية ومن خلال حلفائها في إسرائيل ووكلائها في أوكرانيا وما جاورها على حدود أوروبا الشرقية، كما ذكرت سابقاً في مقالات كثيرة عن الحروب في العالم.