علي حسين (السعلي)
وضع أوراقه على الطاولة السوداء، وأقلاما ملونة، وريشة من جناح الحرف، كوب شاي لاتزال فتلته لم تنغمس بعد، وضع قبعته الخضراء على رأسه الذي يشبه إحدى المطارات، مطر الكتابة ينهمر من فيه، لبس قميصه الملطخ بتضاريس الزمن، وقف فجأة، بدأ مترددا في مقبض الباب، يداه ترتعش، خائف من صريره، صوته يثيره يستفزه، يقلقه، كلما اقترب منه، صادته حُمّى تهامة، حين قرر أخيرا عادت به الذكريات حكاية حكاية.. كلها تمضي مرور الكرام إلا واحدة بقيت عالقة في جدار الصمت كأغنية صوت الأرض «زمان الصمت»:
زمان الصمت ياعمر الحزن والشكوه
ياخطوه ماغدت تقوى.. على الخطوه
على هم السنين.. وترحل صرختي وتذبل
هذه القصة مستجرة، لم تغب عن ذهنه لكنها أصبحت ترمي بشرر - كرواية عبده خال- ليشعل نار الانطلاق فيه ليتناسى ويرتقي سُلّم النجاح كما يراه.. ففي غدير وثّاب بقريته مستودع أحلامه، سابحا في فضاء فكره، الأشجار الملتفة على الغدير توقظ فيه الجمال، كان يحب أن يذهب كل عصرية قبل أصدقائه يسبح لوحده أولا ثم يأتي أبناء خالته سالم، وسليمان، وأخوه إبراهيم الذي يكبره والمهرج الذي يضحكهم كعمور الذي يمتاز بشخصية مرحه ويحبه الجميع لطيبته ورجولته وإن بدأت لمن لايعرفه ساذجة.. كذلك وهو يسبح ظهر ثعبان أسود شقّ الغدير نصفين كخط منتصف مباراة فيها أعظم اللاعبين الأجانب الدون ونيمار وبنزيمه.. تخثرت الأفكار قبل بدء الكلام من فمه، الموت أمامه والجانب العشبي بعيدا عليه ولا حل سوى المرور من أمامه، غطس ليفكّر أن يتجاوزه دون شعوره به، عدل عن الفكرة، خرج من صفحة الماء كتمساح لا يظهر سوى عينيه البازتين ،وشفاة مغلقة على أسنان ترتعد هنا تذكر سالفة أمه أن هناك نوعا من الثعابين لا تضر الإنسان اسمها « حبيبة الرحمن « حاولت أن يتذكر آية من القرآن بدون فائدة أخيرا نطق بسم الله الرحمن الرحيم، فانطلق ببطء…. حتى اقترب من العشب وثب قافزا فنجا ،التفت وراءه لم يجد الثعبان اختفى تماما وإذا يصادفهم قادمين أخبرهم أنه نسي شيئا ويعود لهم…. اختطم المزلاج، واضعا يده على أذنه ففتح نصف الباب، ظلام دامس كليل معاناته، تركه خائفا، أخذ القلم الأحمر مترددا، ركله بقدمه، سقط على الطاولة فصفّق لنفسه كثيرا.. قرر أن يأخذ القلم الأسود واقترب من الباب، ناظرا ماذا هناك في الطرف الآخر؟!
توجّس في نفسه خيفة، هنا اغلق الباب، ولكن هذه المرّة دون صوت، محا المقبض، والباب وابتعد قليلا عند الطاولة، ارتشف فنجان الشاي المخدّر وإذ؛ بالباب يفتح ،أخذوه مربّطا بالسلاسل، وأجبروه على دخول عنبر 16.
سطر وفاصلة
مجنونٌ بكِ حبيبتي عاشق متيّمٌ صبابة
خذيني بين يديك لوحة وارسميني
نرقص على أنغام حبّنا
القلم في يدي وشفاتك تشجعني
تعالي نملأ الدنيا السعادة
ارشف من بين شفتيك قهوتي
يا سكري الزيادة
تعالي نبحر على شواطئ غرامنا
وزورق مجدفا بالسلام
مجنون أنا، فيك مغزول بلهجتي
تعالي نستظل تحت شجرة الهيام
ونغنّي:
وردتي يا وردتي
يا كل حبي وفكرتي
تعالي خذيني بين جنبيك
منطرحا على أنامل عشقنا
عند سرّ بئرنا