خالد محمد الدوس
يعتبر علم الاجتماع مثل غيره من العلوم الأخرى التي تقوم على مبدأ التراكم المعرفي وكلما تقدم العلم استقطب معه المزيد من المفكرين والعلماء له وهذا ما يبدو لنا واضحاً وجلياً حينما قدم أستاذ الدراسات الاجتماعية بجامعة القصيم والحاصل على العديد من الأنواط كنوط المعلم ونوط الإتقان ونوط الابتكار ونوط الأمن البروفيسور محمد بن إبراهيم السيف كتاباً للأجيال الحالية والقادمة والمهتمين في المعرفة العلمية بالعالمين العربي والإسلامي بشكل عام وفي المجتمع السعودي بشكل خاص يتتبع فيه الفلسفة الفكرية والاجتماعية والإنتاج العلمي للعالم العربي أ. د. إبراهيم الجوير وجاء في الكتاب المعنون باسم: أ. د. إبراهيم بن مبارك الجوير رائد علم الاجتماع السعودي فلسفته الاجتماعية ويذكر الدكتور محمد السيف في مقدمة كتابه القيّم أنه منذُ بداية القرن الهجري 1400 وأثر العالم الجوير في الدراسات الاجتماعية من ملتقيات وأطروحات ومقررات واضحاً بشكل يصعب على المختصين في علم الاجتماع في المجتمع السعودي أن يتجاهلوه فلقد بدأ بمسار جديد في علم الاجتماع حيث تتضمن فلسفته تأكيداً على أن هناك حقائق في القرآن وفي السنة النبوية سبقت مقولات النظريات الغربية ولقد نجح الجوير في إثباتها حيث وحد النماذج التحليلية والتصورية لعلم الاجتماع بنموذج رئيس وهو النموذج الإسلامي ولم يكن اهتمام العالم الجوير منصباً في إقامة النموذج الإسلامي لعلم الاجتماع وإنما أسلمته بجميع ميادينه ونظرياته الكبرى والصغرى خاصةً أن علم الاجتماع يعاني من نقص في صياغة النظرية الواحدة وتناقضات بين نظرياته وفي هذا الصدد قال عنه المفكر الاجتماعي الدكتور عبدالله الخليفة -رحمه الله- في مجموعة رابطة الاجتماعيين «د. الجوير أول من شرعن علم الاجتماع في السعودية وأزال عنه الكثير من اللبس في حقبة الثمانينيات فيما بعد وساهم بقوة في توطين علم الاجتماع في المملكة».
ويذكر السيف في كتابه أن بداية علم الاجتماع في أقسام الجامعات السعودية لم تكن مقبولة وكانت في موضع الشك والحذر لحين عودة المبتعثين من الجامعات الأمريكية والذين كان من ضمنهم المفكر الاجتماعي د. إبراهيم الجوير حاملاً معه خلفيته العلمية وإتقانه للإنجليزية بالإضافة إلى تمكنه الفكري في العلوم الشرعية واللغة العربية ليبدأ تدريس هذا العلم في أروقة الجامعات بفكر ومنهج جديد لاقى القبول لمعرفته بثقافة وأصالة المجتمع السعودي فأزال الكثير من اللبس والغموض فيه وقام بتوطينه في المملكة ونقله للواقع الاجتماعي ولقد أشاد بفكره الاجتماعي فضيلة الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- ليكون بعدها علم الاجتماع علماً مقبولاً وشعبياً بعد وعي وحرص وإدراك مغلف بكثير من الجهد والتضحيات.
وللجوير رؤية خاصة في علم الاجتماع حيث تنطلق من الدين الإسلامي وتقديم نظرياته ورواده إلى النقد والتمحيص بمنهجية علمية صحيحة وبلغة عربية فصيحة وأن تُطرح به أفكارٌ وحلولٌ منطقية وواقعية لمشكلات المجتمع وقابلة لتطبيق.
ولقد تناول السيف في هذا الكتاب أبرز الأفكار والإسهامات العلمية للعالم العربي الجوير في عدد من الحقول المعرفية في علم الاجتماع.
ويجد الجوير أن الدعم الآلي لدى دوركايم في جانبه البدائي يقابله في الإسلام دعم آلي يقوم على ممارسات اعتقادية كما أنه يرى أن الانتماء القبلي انتماء مميز فالفرد في القبيلة يولد في ظروف معقدة من القوانين المتداخلة والتميز الطبقي وأن التحضر لا يمسح الذاتية القبلية بقدر ما يعيدها في قالب آخر.
وذكر أن نظام المملكة العربية السعودية ينص على أهمية الأسرة وأنها أساس المجتمع وليست القبيلة وفي تأكيد على وحدة المجتمع السعودي وولائه فليس هناك مساومة على ثوابت أمن وترابط الوطن.
ويرى المفكر الاجتماعي الجوير أن علم الاجتماع العائلي أهم ميادين علم الاجتماع وأكثرها نمواً وتطوراً كون العائلة هي من تحظى بعناية واهتمام هذا العلم أكثر من غيره من العلوم الأخرى وأن النظام الأسري لأي مجتمع يرتبط بالنظام العقائدي لديه فالأسرة في النظام الإسلامي مثلاً هي جزء من النظام الإسلامي الشامل التي تنصهر فيه جوانب عديدة يكون بذلك نسقاً متكاملاً يحفظ الأسرة من معوقات كثيرة تؤثر في وظائفها كالزنا والفساد والشذوذ والثقافات الهدامة تحت غطاء العولمة.
وتتبع السيف رؤية العالم الجوير في علم الاجتماع الثقافي وتحديداً في الشباب حيث أوضح الجوير أهمية الشباب في بناء المجتمعات ونظراً لهذه الأهمية اختار إحدى مشكلاته وهي تأخر الزواج لدى الشباب الجامعي من اتجاهات متعددة لإيجاد تفسيرٍ لها ولقد حدد العوامل ودرجة ارتباطها بالمشكلة ليقدم بعدها العديد من المقترحات التي يوصي بها للحل.
ولكون المفكر الاجتماعي الجوير له فهمٌ عميقٌ بشريعة تناول حفظ القرآن لما له من خير عظيم فهو دستور رباني للحياة البشرية وقد نال في تاريخه العناية والاهتمام للمؤمنين به من أمته ولكن ليس الجميع على حدٍّ سواء في الاهتمام بهذا الكتاب الجليل والمبارك وإن ما نالته مدارس تحفيظ القرآن من اتهامات في تصدير التطرف هو اتهام متطرف في حد ذاته وأحكام صادرة بدون وعي وغير مدركين لأبعاد هذه الاتهامات الخالية من الإثباتات نحو حفظة كتاب الله والتي تشير الإحصائيات إلى نقيض زعمهم ويدعوهم الجوير إلى التوبة النصوحة وإدراك خطورة اتهاماتهم التي لا تخدم لا دينهم ولا وطنهم فالحافظ للقرآن والمتدبر لمعاني آياته مع المعرفة الكاملة للعلوم الشرعية واللغوية فيه يبقى في النهاية إنساناً والإنسان في طبعة متقلب القلب وما يصدر من خطأ فردي من الإجحاف تعميمه على الجميع وأن مدارس تحفيظ القرآن هي بالأصل حصن منيع من الأفكار التكفيرية ودرع للمجتمع تحتاج للدعم المعنوي والمادي حتى تكون قادرة على تحسين كفاءتها بأحسن المعلمين وتخريج أفضل الطلاب وما نراه من تكريمات لحفظة كتاب الله على المستوى الدولي والمحلي واهتمام ولاة الأمر له دليل على أهميه هذا العمل المبارك.
ويذكر العالم الجوير أن الله عز وجل هو الأعلم بمصلحة عباده وكيف لا وهو خالقهم وفي محكم كتابه نرى فيها المسيرة الإنسانية من هبوط آدم عليه السلام واتباع الهدى في أرض الله وعمارتها إلى بعثة أنبيائه ورسله حينما انحرفوا عن طريق الحق وبملاحظة الدكتور الفذ محمد السيف يذكر لنا أن للعالم الجوير نظرة لم يسبق لأحد أن ذكرها وهي أن معظم علماء الاجتماع والمؤرخين والأنثروبولوجيا ذكروا الكثير من العوامل المؤثرة في المسيرة الإنسانية إلا أنهم لم يهتموا بتأثير النبوءات في هذه المسيرة وأن هذا التأثير بحاجة إلى دراسة متعمقة.
ويذكر لنا السيف أن للعالم الجوير رؤية في تطبيق آليات الأمن الشامل وهي مستخلصة من واقع تطبيقات وخبرات سابقة لتحقيق التكامل والتعاون بين المجتمع والأجهزة الأمنية للدولة ويأتي في مقدمتها أن الأمن هو مسؤولية الجميع وإزالة عوامل الخوف بتوعية وتثقيف المجتمع بالأوضاع الأمنية وتنشئة المواطن وتعويده على الالتزام بالقوانين لخلق الرادع الذاتي لهم ولأجل تحقيق الأمن.
وفي ختام الكتاب نجد الدكتور محمد السيف قد أبدع في تقديم العروض الفلسفية والعلمية لرائد علم الاجتماع السعودي أ. د. إبراهيم الجوير ممزوجاً بالجوانب الشخصية الخفية لهذا العالم القدير مراعياً بذلك المستويات والإمكانيات المختلفة للقارئ العربي ليكون الطرح متناسباً للجميع وبهذا أراه عملاً وطنياً رائعاً في تقديم العلماء السعوديين للمجتمع والتعريف بهم يستحق منا التقدير والوقوف له احتراماً.