د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
اصطفتْ أمامي جماليات بلاد اليمامة وتاريخها الممتد وعلا شغفي بأحداثها وحوادثها وأحاديثها حينما حضرتُ العرض الأوبرالي «زرقاء اليمامة» ذلك الحدث الثقافي الفني العالمي الذي استوحته استراتيجية الثقافة الوطنية ممثلة في هيئة المسرح والفنون الأدائية في الفترة من 25 أبريل إلى 5 مايو 2024، وأوبرا زرقاء اليمامة هي اندماج حي للدراما التاريخية مع وجيب المرأة التي تتقدم قومها ليس للاستعراض بل لتأصيل مفهوم المشاركة المنتجة للحماية منذ الأزل، وكان مما في الذاكرة أسانيد ملأى بأنباء مجزية عن زرقاء اليمامة وجبل اليمامة العملاق طويق، وفي ذلك المرتبع اليمامي مؤثرات الزمان والمكان التي تواشجت مع كل المعطيات الفاخرة التي أنبتتها صحراء الجزيرة العربية وبلاد اليمامة خصوصا، وعلى مسرح عرض الأوبرا بدت ملامح قصة تجاوزت الزمان في صور فنّية مستوحاة من جماليات القصة الأصلية، من مشهدية الصحراء والعيون المشوبة باللون الأزرق، والليالي القمراء.
ولطالما شكّلت عروض الأوبرا مناسبات فنّية استثنائية لجماهيرها، ضمنت لها مكانتها كأحد أبرز المظاهر الثقافية وجعلت لها أعرافاً خاصة تتجلى في نوع اللباس ووقت الحضور وغيرها مما يتكئ الفن الأوبرالي عليه، وفي عموم ما شاهدنا وشهدنا عليه في أوبرا زرقاء اليمامة فإن المستهدف الأساس لهيئة المسرح والفنون الأدائية وهو تقديم فن الأوبرا للمواطن العربي باعتبار ذلك الفن جديدا على الذائقة العربية!
كما حظي الحرف العربي بتشكيل في إيقاع أوبرالي أطلتْ منه عدة مذاقات! والعرض الأوبرالي زرقاء اليمامة ركز على زرقاء اليمامة عندما جعل منها رمزاً لموقف المرأة في النطاق القبلي آنذاك وترميز المشاركة وتصنيفها، حيث كان للمرأة الأثيرة في قومها وجود دلالي مخصوص في الأمم البائدة وبرز ذلك في العرض الأوبرالي من خلال التواجد البشري الكثيف في المشاهد وطول العهد، وخلال العرض تربع خطاب الآخر والحديث عن الآخر في وجود جمالي آسر؛ أما المعالجة الفنية للنص التراثي القديم فرأينا العرض يتنامى أفقيا فيستسلم للتداعيات المنهمرة، كما أن الوصف الطاغي في العرض الأوبرالي هو إلحاح عجيب لاستدعاء أكبر قدر من صفات السيدة اليمامية الزرقاء للأذهان؛ ورسم الخطوط القصصية ما بين حدة البصر والبصيرة والحشد من صفات زرقاء اليمامة في العرض الأوبرالي لم تصل للمشاهد وحدها إنما صحبتها عناصر أخرى جعلتها ممتعة فنيا من خلال الحركة والحوار ممايجعل المشاهد للعرض يقترب من إمكانية التنبؤ بما سيكون، وأوبرا زرقاء اليمامة العربية الممزوجة بعالمية الفن الأوبرالي ضرب من التشكيل والوصف البصري الحسي، وقد غمرتها الأوبرا بكثير من (لجة الجرس) العالي إيقاعاً الذي حجب عن الآذان شيئاً من حلاوة الشعر وتفاصيل الروي العربي المبين.
وفي أوبرا زرقاء اليمامة تساقطتْ حلقات الزمن فبدتْ للمشاهد زرقاء اليمامة التي كان قرار مرصدها البصري مُعولا لقومها «جديس» في الإقدام والاستعداد للغارات والحروب، فالأوبرا في مجملها بقية من تاريخ اليمامة، فهي تستأثر ببلاد اليمامة وتستنطق ماضيها الحربي الذي أسهمت الزرقاء في استلابه بقوة بصرها؛ وقد ضفّرتْ الأوبرا ذلك مجازيا ليستدل المشاهد على صفات الاستيلاء عند الجاهليين! والتحكم والاستئثار بالشيء واستلابه عند الأمم البائدة..
يقول عبدالله بن خميس:
«واذكر عن الزرقاء مافاهت به
عن نظرة تطوي الحزون مراحلا
وعن الحمائم إذ مررْن خواطفا
هل كان هذا الحكم منها باطلاً»