«الجزيرة» - محمد العشيوي:
انتقل إلى رحمة الله تعالى أمس «السبت» صاحب السمو الملكي الأمير الشاعر بدر بن عبد المحسن بعد معاناة مع المرض بعد أن ارتبط اسمه كشاعر خدم الفن السعودي والعربي طيلة خمسة عقود. وشكل الأمير الشاعر علامة فارقة في الشعر والأدب على الصعيدين الثقافي والفني بالمملكة ليصبح الشاعر الأنيق ومهندس الكلمة، وأحد رواد الحداثة الشعرية بالوطن العربي.
جده هو الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود موحد الجزيرة ومؤسس الدولة السعودية الثالثة، ووالده هو الأمير عبدالمحسن الابن الثالث عشر من الذكور للملك عبدالعزيز من زوجته الأميرة الجوهرة بنت سعد السديري (توفيت أثناء ولادتها له) التي كانت قد أنجبت لجلالته قبل ذلك الأميرين سعد بن عبدالعزيز ومساعد بن عبدالعزيز، وقد رثاه ابنه البدر بقصيدة «غزوك يا شيخ انكف» التي من أبياتها:
يا بوي أنا ما في يدي كود الاوهام
وش في يدي والموت حق ومقسوم
لا شك من يفنى على دين الاسلام
وطيب الذكر يكفيه لا قيل مرحوم
وكان البدر قد عانى من وعكة صحية في الفترة الماضية إذ طمأن جمهوره عبر منصة X في إبريل الماضي بتحسن حالته مشيراً إلى أنه يتمتع بصحة وعافية.
وكان «وسم» الأمير بدر بن عبدالمحسن قد تصدر الترند في تويتر بعد الإعلان عن رحيله أمس، ونعاه نجوم الفن والشعراء ورواد مواقع التواصل الاجتماعي، إذ حقق البدر شعبية جارفة في الوطن العربي نظير الكلمة الأنيقة التي زيّنت بها أنامله مسيرته الشعرية.
ودرس الراحل في بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، وقد التقى أثناء فترة دراسته بهذه الدول بعدد من الرواد والأدباء والمفكرين والفنانين مثل الشاعر أحمد رامي ومحمد عبدالوهاب ومحمد الموجي وعبدالحليم حافظ وغيرهم.
وحقق الأمير الشاعر أولويات كثيرة في الساحة الفنية إذ بدأت قصائده مع الفنان الراحل طلال مداح وفنان العرب محمد عبده، إذ حققت معهما أعماله خلوداً ونهراً من العطاء الذي لا ينضب، وكانت أولى قصائده المغناة هي «عطني المحبة» التي غناها طلال مداح، بالإضافة إلى أعماله مع عبادي الجوهر وعبدالمجيد عبدالله وراشد الماجد، وغيرهم من الأسماء اللامعة في الساحة الفنية.
ويعد شعر الأمير بدر بن عبدالمحسن من الأنواع الحداثية التي لم يعهدها المطربون والملحنون بالوطن العربي في بادئ ظهورها، الأمر الذي كان عائقاً أمام تعاون الأمير مع النجوم من خارج المملكة، فيقول: «كانت قصائدي بالنسبة للمطربين غير السعوديين غريبة على ما اعتادوا عليه، ولا تناسبهم وقتها، لذا لم يكن التعاون بيني وبينهم كثيراً».
واستخدم الأمير بدر بن عبدالمحسن في قصائده اللغة العربية الكلاسيكية بمدرستها العريقة، ونسج أبياته باللهجة المحلية النبطية مُجسداً طبقات متنوعة من التراث والرومانسية والروح الوطنية، وبلغة شعبية قوية تختلف قليلاً عن اللغة الفُصحى، صاغ البدر شعره، الذي زاد تميزه بتلك اللهجة، المنفردة بتراكيب مباشرة وثابتة مع أسلوب بسيط وسمات فنية مختلفة.
وكان أوبريت الجنادرية «أئمة وملوك» الذي أقيم في فبراير من العام 2019 هو آخر أوبريت يقام للمهرجان الوطني للتراث والثقافة إذ كانت من كلماته، وكانت الهيئة العامة للترفيه قد كرمته في موسم الرياض في العام 2019 ببناء مسرح خاص لتكريم يليق فيه بناءً على خدمته للأغنية السعودية طيلة عقود، في حين كانت آخر أعماله المغناة للفنانة نجوى كرم التي قدمتها قبل أيام.
واكتسب الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن محبة كبيرة في قلوب المجتمع لتكون خدمته للفن السعودي هي الأسمى في تاريخ الأغنية السعودية.
في أحد حواراته مطلع التسعينيات يقول الراحل: «كنت أرسم وبكثافة في صغري، والفن بالنسبة لي هواية، بل أشبه بالشيء الذي خلق معي وفيَّ، إذا كنت لا أمتلك أن أختار ملامح وجهي، فأنا لا أمتلك أن أختار أو أغير في ملامح فني، قد أقص شعري بالطريقة التي تعجبني، ربما أقلد الآخرين فيها، ولكن ليس لي أنف ولا شفاه تشبه أحداً تماماً، اختلافي قدري ليس لي فضل فيه، بل ربما حاولت أن أقلد ولم أستطع، بل أتكلم وأتصرّف أحياناً بطريقة مختلفة، وربما استفدت من هذا الاختلاف في الشعر فقط».
ويضيف، الرسم والكتابة لديّ لا يمكن فصل أي منهما عن الآخر، أما بالنسبة لقراءاتي في الشعر الحديث فهي أقل من عادية، إنما تأثير كل جديد جيد عليّ، بالغ من ناحية المضمون أولاً، وفي الشكل بدرجة ثانية، وفي الواقع أن كل حديث يشدني، بسبب أنني وببساطة لا أجد في المكرر والمعاد قيمة، والقديم كان حديثاً في يوم ما، وسيظل ابتكار شاعره الأول وإبداعه، حتى لو تكرر في قصائد آلاف الشعراء بعده، بالنسبة لي، شخصيتي الشعرية أو الفنية ولدت معي لا أكثر ولا أقل.
لا أعتقد إني إنسان رومانسي؛ الرومانسية حالة تمرّ بي وتذهب، كذلك لا أعتقد أنّي مندفع مع عواطفي لدرجة كبيرة، شعري لا يتأثر بمدى عاطفتي واندفاعي، العلاقة بين شعري وأحاسيسي هي أن أجد في هذه الأحاسيس ما أستطيع أن أكتبه شعراً أو يستحق أن يكون شعراً، في الكثير من شعري خشونة، وأحياناً صبغة الألم والحزن تغلب على الرومانسية فيه.