د.فيصل خلف
كان رحيله -رحمه الله وغفر له- صدمة موجعة لنا، لأن الطيّب من الناس الذي أينما حل ينثر ذكره الطيب وتعامله الطيب.. بودنا أن يعيش العُمر بيننا وليس أعواماً فحسب، لكن هذه حكمة رب العالمين وعلينا التسليم، والحمد لله على قضائه وقدره على كل حال.
رحل أبو نايف بجسده لكّنه سيظل حاضراً بذكره وأثره الحسن ومواقفه ووقفاته.. ستظل موجودة في ذاكرتنا وله منا كل الدعاء وهو حي وباقٍ في قلوبنا ما حيينا.
خدم وطنه مهندساً ومخططاً ومطوراً ورئيساً لبلدية دخنة ثم ضرية ثم محافظة الرس وساهم برؤية وخطط الوزارة التطويرية قبل أن يُكلف أميناً لمنطقة نجران وكعادته استشعر عظّم المسؤولية وأهمية موقع نجران الجغرافي وسخر إمكانيات الأمانة لخدمة حراس الحد الجنوبي حفظهم ورعاهم وحرص كل الحرص لكسب رضا أهالي نجران وزوارها وسهر الليالي مع فريق الأمانة للبحث عن كل ما يفيد المنطقة من أفكار ومشاريع تطويرية وحفز وشجع زملاءه للإبداع والإنجاز وتعامل مع المستفيدين من الخدمات البلدية بكل احترام وتقدير.
أعطاهم الوقت الكافي لسماع آرائهم ومقترحاتهم وحقق لهم العديد من الأمنيات لكن المرض داهمه سريعاً ولم يترك له مزيداً من الوقت وهذا حال الدنيا لا تدوم على حال.
التقيت بهذا النقي التقي طيب السيرة والسريرة العديد من المرات بحكم علاقته مع والدي، عشت مراحل طفولتي وهو من الأصدقاء الدائمين والباقين والمستمرين مع والدي.. تتغير الجبال ولا تتغير طبيعته ومعدنه الأصيل، عزيز النفس كريم الطباع سخي اليد لن أنسى حرصه ودعوته لنا وفرحته بتلبية دعوته وتبقى الابتسامة الصادقة على محياه لا تغيب في كل لقاء يجمعني معه وأجد التلقائية النابعة من قلبه.. بمعنى ما كان في قلبه تجده على لسانه، اللسان الذي تستمتع بحديثه الشيق والناصح والمحفز، ملامح وجهه الطاهر لها القبول عند الجميع وتجد بها المحبة والصدق والوفاء.
عيد نايف صديق لوالدي وأعمامي وعموم عائلتنا، وأنا أراها ليست مجرد صداقة ومع إن معنى الصداقة عميق.. إلا أنها تجاوزت هذه المرحلة حتى أصبحت أخوة، ويكفي أن تعرف أن أبا نايف لا يمكن حصره بهذا المقال.. فهو من كل أطياف المجتمع السعودي والعربي والأجنبي.. كل من عرفه عن قرب ترتقي صداقته معه إلى أخوة صادقة بعيداً عن المصالح والنفاق.. لأنه صادق مع نفسه أولاً ثم مع الجميع على حد سواء.
اختار والدي للسفر معه في رحلته العلاجية إلى الولايات المتحدة الأمريكية.. ولازلت أذكر حديث والدي وقتها عندما قال:- (لقد شرفني أبو نايف باختياري لرفقته على الرغم من كثرة الأقارب والأصحاب والاصدقاء ومن ضمنهم بعض إخواني).
أقلعت الطائرة وعلى متنها عيد وابنه البار نايف ورفيقهما والدي وعشنا وقتها مساحة من الأمل بأن يكتب الله الشفاء التام لمن نشاركه ألمه وأوجاعه، وأحياناً تتحطم أمالنا وأحلامنا بعد التقارير الطبية، خلال الثلاث سنوات الماضية تتقلب أمزجتنا بين الحزن والفرح بين الأمل واليأس.. ولا أنسى موعد العملية في يوم 27 رمضان قبل سنتين، والتي لم تنجح حيث كانت الأقدار ليست بمقدرة البشر، وكان أبو نايف أكثر من غيره رباطة جأش وصبر وإيمان بالقدر خيره وشره.. وعاد للوطن والأهل ابتسامته المعهودة متحاملاً على أوجاعه حريصاً أن لا يوجع قلوب محبيه صابراً على بلوى المرض العضال والسرطان القاتل ومحتسباً الأجر من الله سبحانه عابداً ذاكراً وهذه صفات المؤمنين، ونسأل الله أن تكون خاتمة خير، ولا يوجد إنسان إلا وأخذ نصيبه من الابتلاء في هذه الدنيا، المرض.. مرارة في الدنيا وحلاوة في الآخرة -بإذن الله- والحياة في الآخرة.
لعل ما أصاب م. عيد بن نايف في سنين حياته الأخيرة من مرض وتعب.. رفعة له في الدرجات بجنات النعيم.
عيد الذي جاء للحياة بيوم عيد وفارقها بالعيد وكانت حياته كلها عيداً سعيداً لجميع محبيه وخصوصاً والديه الذي تفاني في برهما وأسعدهما بالقول والفعل والسمعة الطيبة والمكانة التي حظي بها والقدر الكبير لدى جميع من تعامل معه أو عرفه، وبقي من عيد أبناؤه (نايف، نواف، محمد، عبدالعزيز وفيصل) الذين نرى فيهم جينات وصفات وسمات والدهم وبعون الله هم خير خلف لخير سلف، ونسأل الله لهم كل التوفيق والسداد، وبقي منه أيضاً سمعته وذكره الطيب الذي لن ينضب..
اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه واكرم نزله ووسع مدخله واغسله ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس.. وجميع موتانا وموتى المسلمين أجمعين.
ختامًا أوصيكم بالإحسان إليه بالقول والفعل.. كالدعاء والصدقة.