د. محمد عبدالله الخازم
تحت عنوان «هويتنا نترجمها» تنظم جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن (15 مايو) مؤتمراً يهدف وفق تصريح عميدة كلية اللغات بالجامعة د. حمدة الغامدي إلى «التباحث في عدة قضايا تتعلق بنقل الإرث الثقافي والتاريخي والأدبي والفكري للمملكة وترجمته عالمياً». العنوان ينطوي على جوانب؛ الهوية وتعريفاتها، اللغة والهوية، ترويج الهوية عبر الترجمة، الهوية المتخصصة (نسائية، سياحية، ثقافي، إلخ) وغير ذلك.
اللغة كما يصفها ميشال الشماعي (الوطن 26-4-2024م) تمثل وعاء الهوية وعنوان الوجود وكلاهما مرتبط بعضها ببعض، ولا تثبت هوية الإنسان إلا عبر معرفة الآخر. وتشرح الأمر الدكتورة فادية الشهري، بأن تفوق اللغة يكمن في تلازمها مع الهوية، والمدلولات اللغوية والفنية البحتة تمثل رمزاً للمجتمع الذي تنتمي إليه تلك اللغة، كأداة تفاعل بين أفراد المجتمع وانعكاساً لأساليبهم في التفكير والتعبير. بالإضافة إلى كون اللغة مسألة اجتماعية رئيسية ترتبط ارتباطاً عميقاً بالهوية الوطنية وبشخصية المواطنين، وتلعب دوراً محورياً في تعزيز الانتماء، والتماسك، والولاء الوطني.
وكمتخصصة في الترجمة، تؤكد بأن الترجمة تضطلع بدور محوري في الحفاظ على هوية النصوص المترجمة، مهما كانت اللغة الأصلية لهذه النصوص. اللغة تشكل جزءاً أساسياً من هوية الشعوب والأمم، وترجمتها قد يسهم في الحفاظ على الهوية الثقافية أو قد يؤدي إلى تشويهها، خصوصاً في زمن العولمة الذي يتجه نحو تقليص التنوع الثقافي وفرض هوية ثقافية عالمية موحدة. ولا ننسى بأن الترجمة تهدف إلى حماية الثقافات والهويات من التهميش والإقصاء، مما يعزز الإطار النفسي والفكري للمجتمعات ويعكس وجودها الاجتماعي.
ربما يأتي في ثنايا قضية اللغة والهوية موضوع أساليب عرض الهوية والثقافة بصفة عامة، وهي مسألة متعددة الأبعاد تتداخل في إنتاجها المؤسسات الثقافية والإعلامية والدبلوماسية والسياحية والعلمية غيرها. بمعنى آخر، كيف تقدم هويتك، بمكوناتها المادية والثقافية والقيمية للآخر؟
من خلال الاحتفاء بالفنون والأدب، بأنواعها البصرية والمكتوبة والمحكية والرمزية، نجد أن الثقافة السعودية زاخرة بالملامح الثقافية القابلة للتدوين والترجمة والعرض عبر الوسائل المختلفة، متمثلة في في قصصها وألحانها وحكاياتها، إلخ. وحيث ترتبط الدول في الذاكرة الشعبية والثقافية بأزيائها ومأكولاتها وعاداتها وثقافاتها الشعبية المتنوعة، لا نغفل بأن إحدى وسائل المثاقفة بين الشعوب يكون عبر النشر والاحتفاء بالموروث ذي العلاقة بالحياة اليومية من مأكولات وأزياء وعادات اجتماعية متنوعة. اللغة هنا، هي الوعاء الذي ينقل كل ذلك والاحتفاء بها ليس كمجرد ناقل يتم ترجمته إلى لغات أخرى، بل ككيان يمتاز بجمالياته وروعته وتفرده بين اللغات الأخرى.
يبرز هنا أهمية التعرف على هويتنا وتراثنا وقيمنا التي نسعى إلى ترجمتها والتركيز على تسويقها. دائماً، هناك تمثيل سلبي أو تنميط سلبي يروج عن الدول أو الجماعات الأثنية، كما أن هناك عكس ذلك، فكيف تزرع صوراً إيجابية تطغى على السلبية؟ على سبيل المثال، أحياناً هناك (تنميط) حول المملكة يربطها بقوتها الاقتصادية وبكونها المصدر الأول للطاقة. هذا يعكس حقيقة قوتنا، لكن هل نكتفي بذلك، أم لدينا ما هو أكثر ونحتاج بذل جهدٍ أكبر في ترويج قيم فكرية وسمات ثقافية وموروثات جمالية أخرى؟
ختاماً، اللغة وسيلة مهمة للتعبير عن الهوية والموروث والثقافة والقيم وغيرها والترجمة مطلب لنقل كل ذلك إلى العالم. والترجمة لا تكفي عندما تكون (في بطون الكتب فقط) بل هي بحاجة إلى وسائل تنقلها عبر اللقاءات الثقافية، عبر برامج الحراك الدولي العلمي والثقافي والدبلوماسي، عبر وسائل الإعلام والاتصال الحديثة، إلخ. لعل نقاشات المؤتمر المشار إليه أعلاه تساعد في فهم أكبر للعلاقة بين اللغة والهوية وترجمة الهوية داخل اللغة ذاتها وخارجها.