عطية محمد عطية عقيلان
ظهر مصطلح «الحرب الباردة» بعد الحرب العالمية الثانية، والتي تصف العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية والتي تمثل التيار الرأسمالي، وبين الاتحاد السوفيتي والذي يمثل التيار الشيوعي، وتتمثل هذه العلاقة المتوترة والتي تدار في كثيرٍ من الأحيان بمواجهات غير مباشرة عبر دول أخرى، ورغم انتهاء الحرب الباردة في عام 1991م وانهيار الاتحاد السوفيتي وتفككه، ولكنها لم تختفِ في العلاقات بين الدول، وتظهر مناوشات في دعم معارضي هذه الدولة من أجل الإضرار بها وإضعافها وتقويض أمنها، وقد تستخدم عبارات رنانة كحقوق الإنسان والعدل والمساواة ودعم الحق ولكنه في الغالب تسيره المصلحة، المغلفة بعبارات جذابة ولكنه كما يقال: «كلمة حق يراد بها باطل».
ومصطلح الحرب الباردة يجرنا إلى تأثيره وفهمه وانعكاسه علينا، فقد نعيش حياة باردة دون أن نعي ذلك، بدءاً بالعلاقات الأسرية والتواصل بالحد الأدنى وقد يكون عبر الهاتف فقط، ودون اكتراث والسؤال والمبادرة والاهتمام ومد يد العون والمساعدة على قدر المستطاع، وكأنها علاقة باردة من باب التواجد والمجاملة، ومع بزوغ شمس كل يوم هي فرصتنا لوقف هذه «العلاقة الباردة» مع أقاربنا وفرصة لصلة الرحم وتقوية العلاقة والحرص على الاجتماع والسؤال والمبادرة وتحويله إلى علاقة دافئة بالحب والخير والعطاء، وفيما يخص العلاقات الباردة مع الزملاء والأصحاب، قد تكون مفهومة لمن طبيعة عمله فيها الكثير من العلاقات والزمالات، ولكنها لا تنفع مع الأصدقاء المقربين، فليس المهم التواصل ولكن الشعور بالقرب والاهتمام والاحترام يبقيها قوية صلبة، وجلنا قد يمارس هذا البرود في بعض علاقاته، ولكننا قد نندم أو ننصدم عندما نريد التواصل أو تقوية العلاقة مرة أخرى لمن كان يهتم لأمرنا دون مصلحة.
ورغم إيماني أن من يسمح بعلاقات باردة مع أصدقائه سيتحول وجوده في حياتهم، كالإطار «السبير» في السيارة فقط يتذكره عند الحاجة، وقد يكون ساعتها فارغاً من الهواء وغير مفيد، وهي درس لنا بأن نحافظ على علاقاتنا المهمة سواء في الرخاء أو الشدة، والمواقف هي ترجمة لما نقول، والصديق المحب هو من يرتقي بك على كافة الأصعدة، وطبق مقولة الفيلسوف الصيني كونفشيوس «الفضيلة هي أن لا ترضى لغيرك، ما لا ترضاه لنفسك»، وكذلك بعضنا يعيش في عمله أو تجارته مثل «الحرب الباردة» غير راضٍ عنها ومتوتر فيها، ويؤجل استمتاعه بما أنجزه وحققه من نجاح مالي أو عملي، لذا عزيزي القارئ منذ قديم الزمن وتكرره التجارب ونظرة وأقوال الفلاسفة والمفكرين، بأن خير الأمور الوسط وكما يقال لا إفراط ولا تفريط، يقول الفيلسوف اليوناني أرسطو « الفضيلة وسط بين رذيلتين» فلنترجمها في حياتنا وعلاقاتنا بأن نتعامل بوسطية دون برودة أو سخونة بل من الجيد أن تكون حياتنا وعلاقاتنا دافئة وهادئة.
خاتمة: من أجمل القصائد التي تحذر من «العلاقة الباردة» بين الأصدقاء، وتصلح لباقي مناحي الحياة والاستفادة منها، لنترجم محبتنا ونصل رحمنا ونقوي علاقاتنا وتكون أكثر دفئاً، هذ الأبيات للإمام الشافعي رحمه الله، وهي:
إِذَا الْمَرْءُ لَا يَرْعَاكَ إِلَّا تَكَلُّفَا
فَدَعْهُ وَلَا تُكْثِرْ عَلَيْهِ التَّأَسُّفَا
فَفِي النَّاسِ أَبْدَالٌ وَفِي التَّرْكِ رَاحَةٌ
وَفِي الْقَلْبِ صَبْرٌ لِلْحَبِيبِ وَلَوْ جَفَا
فَمَا كُلُّ مَنْ تَهْوَاهُ يَهْوَاكَ قَلْبُهُ
وَلَا كُلُّ مَنْ صَافَيْتَهُ لَكَ قَدْ صَفَا
إِذَا لَمْ يَكُنْ صَفْوُ الْوِدَادِ طَبِيعَةً
فَلَا خَيْرَ فِي وُدٍّ يَجِيءُ تَكَلُّفَا
وَلَا خَيْرَ فِي خِلٍّ يَخُونُ خَلِيلَهُ
وَيَلْقَاهُ مِنْ بَعْدِ الْمَوَدَّةِ بِالْجَفَا
وَيُنْكِرُ عَيْشًا قَدْ تَقَادَمَ عَهْدُهُ
وَيُظْهِرُ سِرًّا كَانَ بِالْأَمْسِ فِي خَفَا
سَلَامٌ عَلَى الدُّنْيَا إِذَا لَمْ يَكُنْ بِهَا
صَدِيقٌ صَدُوقٌ صَادِقُ الْوَعْدِ مُنْصِفَا