د.عبدالله بن موسى الطاير
بدأت الدول والمجتمعات الإسلامية، منذ نهاية الدولة العثمانية عام 1924م، تبحث عن صيغة تعاون بديلة تحقق بها التضامن الإسلامي من خلال استثمار العاطفة التي تجمع المسلمين حول العالم، لصناعة نموذج بديل يسخر هذه القوة الإيمانية لتحقيق التضامن بين الدول الإسلامية.
أولى المحاولات نحو نموذج عصري للتعاون أو على الأقل لبحث إمكانية إنشاء ذلك النموذج كان في شهر مايو 1926م، إذ عقد مؤتمر القاهرة بحضور ممثلين من جميع الدول الإسلامية المستقلة حينئذ، بالإضافة إلى دول لم تكن بعد استقلت بشكل كامل مثل ماليزيا، والمغرب، وأسس لذلك المؤتمر أمانة عامة على أمل أن يعقد دورياً، وأن يشكل نواة تحالف متعدد الأطراف، وكان مما أسفر عنه اقتراح تأسيس «هيئة أمم شرقية»، ذلك قبل إنشاء هيئة الأمم المتحدة بربع قرن تقريباً. لإدراك الملك عبدالعزيز -رحمه الله- إذ ذاك بأن الدول الإسلامية بحاجة لمن يوحد كلمتها، دعا إلى مؤتمر إسلامي في مكة المكرمة في يونيه 1926م حضره وفود من جميع أنحاء العالم الإسلامي، وناقش المؤتمر وضع إطار تأسيسي لإنشاء منظمة دائمة تسمى: «مؤتمر العالم الإسلامي»، تجتمع دورياً في مكة المكرمة. أمام تلك المشاعر الجياشة لم يستطع كمال الدين أتاتورك المؤسس للتو تركيا العلمانية مقاومة إغراء تكتل دولي يعتمد على المشاعر الإسلامية، فأعلن عام 1927م أنه عندما تحصل المجتمعات الإسلامية على استقلالها فإنه يمكن لممثليها أن يلتقوا معاً من أجل تأسيس مجلس يهدف إلى تعزيز العمل المشترك.
بدوره دعا الحاج أمين الحسيني مفتي فلسطين في عام 1931م إلى عقد مؤتمر إسلامي في القدس، للتشاور بشأن الأوضاع الراهنة للمسلمين وتحديد الإجراءات المطلوبة للدفاع عن مصالح الأمة.
الدول الإسلامية المستقلة حديثاً في ذلك الوقت كانت مدفوعة نحو تشكل دولي تنتمي إليه يبرز سيادتها من خلال السعي نحو التعاون مع الدول الإسلامية المستقلة بعيداً عن الدول الاستعمارية الغربية، إنه رغبة صادقة لافتكاك المصالح عن أغلال الماضي الاستعماري، والتعلق بأستار مستقبل توحده المشاعر الدينية، حتى وإن ترامت أطرافه وتباعدت مكوناته.
شهدت الأعوام من 1949م حتى 1954م العديد من المحاولات والمؤتمرات؛ في عام 1954م شرعت مصر والمملكة وباكستان في إجراء محادثات لتأسيس مؤتمر إسلامي عام، واتخذ قرار بهذا الصدد في عام 1955م لإنشاء مؤسسة دولية تعنى بالأنشطة التعليمية والثقافية إضافة إلى الأهداف السياسية، وأسست له أمانة دائمة في القاهرة غير أن هذا التجمع لم يصمد لفترة طويلة إذ انسحبت باكستان عام 1957م، ونشبت خلافات في وجهات النظر بين مصر والسعودية عام 1958م أدت إلى تجميد المؤتمر، ثم حله. كادت محاولة رئيس وزراء ماليزيا تنكو عبد الرحمن -رحمه الله- أن تنجح في عام 1968م لإنشاء «كومنولث إسلامي» يضم الدول الإسلامية ويسهم في تعزيز التعاون من أجل مصلحة المسلمين كافة، لكنها أخفقت قبل التمام. أدرك الملك فيصل أن تنكو عبدالرحمن متشبع بالفكرة، فدعم ترشيحه أول أمين عام لمنظمة المؤتمر الإسلامي التي أنشئت في العام التالي.
قاد الملك فيصل -رحمه الله- في عقد الستينيات عدداً من المبادرات لاكتشاف جميع الإمكانات اللازمة لتحقيق التضامن الإسلامي، وكان من المتحمسين والمدافعين عن تلك الفكرة، وفي الطريق إليها أسس رابط العالم الإسلامي كمنظمة أهلية إسلامية عام 1962م. غير بعيد عن هذا التاريخ عقدت في ديسمبر 1964م ويناير 1965م الدورة السادسة لمؤتمر العالم الإسلامي في مقديشو بالصومال، وطرحت فكرة إنشاء «منظمة حكومية دولية»، وكان الرئيس الصومالي حينذاك آدم عبد الرحمن عصمان يردد نداء الملك فيصل -رحمه الله- الذي عبر عنه في خطابه في الدورة نفسها عن رغبته في إقامته منظمة تهدف لتعزيز التعاون والتضامن بين الشعوب المسلمة. كان ذلك الحدث بمثابة نقطة الانطلاق للحشد لتأسيس كيان حكومي متعدد الأطراف يجمع الدول الإسلامية المستقلة. سرّعت هزيمة 1967م، وحادثة حرق المسجد الأقصى عام 1969م، في عقد القمة، تحت الرعاية المشتركة للملك الحسن الثاني والملك فيصل -رحمهما الله- في الرباط من 22 إلى 25 سبتمبر 1969م.
حضر تلك القمة 25 دولة مؤسسة لمنظمة المؤتمر الإسلامي (لاحقاً منظمة التعاون الإسلامي) التي وصل عدد أعضائها حالياً إلى 57 عضواً في القارات الآسيوية والإفريقية والأوروبية وأمريكا الجنوبية لتكون بذلك ثاني أكبر منظمة حكومية بعد الأمم المتحدة مهتمة بالسياسة والاقتصاد والثقافة.
أكتب ما سبق على هامش انعقاد القمة الإسلامية الخامسة عشرة في بانجول عاصمة جامبيا، حيث التأم شمل الدول الأعضاء رغم بعد المكان. يزاد الإنسان اعتزازاً أن بلاده تستضيف مقر هذه المنظمة التي بنيت على غرار نموذج الأمم المتحدة. أحد أجهزة المنظمة المتخصصة وهو البنك الإسلامي للتنمية على غرار البنك الدولي أعلن رئيسه في حفل افتتاح القمة أن حجم الإقراض منذ تأسيس البنك قبل 50 عاماً بلغ 180 مليار دولار مولت وتمول نحو 120 ألف مشروع في الدول الأعضاء.